عن تاريخ القبلات وكيف يفكر فيها أكثر من مجتمع بل وتختلف من مكان لمكان، وعرض لنا موقع الليلة الكبيرة بعض الصور من الحرب العالمية الثانية لعاشقين يتبادلون القبلات قبل الحرب بحرارة حتى يعيشون على ذكراها وتصبرهم على أهوال الحرب.
القبلات دورها دائمًا يكون حول التعبير عن الحب وإرسال أحيانًا رسالة إطمئنان عن طريقها بأن هذا الحب مازال مستمرًا يجري في شريان من يبدأ في تقبيل من يحب، بل أن هناك سيدات يمكن أن يصلح زواجهم ومزاجهم قبلة صباحية على سبيل الحب والتقدير.
لن أستطيع الخوض كزملائي في الكتابة والحديث حول حلاوة القبلة بين العاشقين على الرغم من معرفتي الكبيرة لأهميتها وحبي دائمًا أن أرصد العشاق على شاطىء الإسكندرية، ولكني سأخوض في سرد ذكرياتي عن القبلات التي جربتها وأشتاق إليها.
نرى في طريقنا على موقع فيس بوك وغيره كثرة الحديث حول القبلات وأنواعها بين الرجل والمرأة، وهذا الأمر هو ما يلتف حوله الجميع نظرًا للكبت الذي يعاني منه المجتمع بأكمله، حتى الكثير من إخواننا المساكين الذين دخلوا عُش الزوجية ولم يعرفهم أحد على الكتالوج الصحيح للسعادة ووقعوا في نفس فخ الحرمان ووقفوا بنفس الطوابير التي تحملق في مثل هذه النوعية من الصور كنحن (السناجل) بالضبط.
ولكن مع احترامي لكل هذه الاحتياجات التي لا نستطيع أن ننكرها فأنا لدي أنواع قبلات أخرى ربما تراني مازلت طفلة ساذجة كي أحن إليها وأتذكرها ولكن هذا لن يمنعني عن سردها، كقبلة أبي لي في الصغر بمنتصف الليل بعد اطمئنانه أنني لا أعاني من الكوابيس التي كانت تهاجمني أحيانًا عن العفريت الذي يريد أن يأكل رجلي، ولا أعلم لم كان يريد أكل رجلي بالتحديد!
وقبلتي لكل عروسة جديدة كان يشتريها لي بالعيد، وقد اعتاد أن يأخذني لسوق المنشية بالإسكندرية كل عيد لأختار عروسة جديدة، تعلقت بهذه العرائس ومارست معهم دور الأمومة وأغرقتهم بالقبلات حتى نهرتني أمي ذات يوم أنني (خلاص) قد كبرت ويجب أن أتخلص منها فتفاجئت أنني (فعلًا) قد كبرت ومنذ حينها وأنا أشتاق لرائحة العرائس الجديدة وأنا أقبلها ومعها رائحة العيد السعيد الذي لم نعد جميعًا نشعر بحلاوته كتلك الأيام.
أشتاق لقبلة أمي لي أثناء مرضي وصراخي من (الأُفة والتعويرة) التي أصباتني من كثرة وقوعي من فوق دراجتي الجديدة التي لولا أبي لم عرفت كيف أركبها حتى الآن، وكنت أثق أن تقبيل أمي (للتعويرة) ستجعلها تختفي سريعًا وسيزول الألم وتصبح جميع الأمور على ما يرام.
أشتاق لقبلة جدتي رحمها الله التي تمتلأ بروائح مطبخها الفريد وصوتها العالي وحكايتها المتكررة التي لم أكن أمل منها أبدًا عن ملامح الإسكندرية قديمًا وعن أصدقائها الخواجات الذين تشتاق إليهم حتى وفاتها.
كل قبلة في الصغر لها هذا الطعم المُختلف الذي لن يعود أبدًا ولن تعوضه قبلات أخرى وإن كانت مهمة، فلن أنسى قبلتي لأخي الصغير الذي يصغرني بسبع أعوام حين ولادته ورائحته الجميلة ومدى اندهاشي من وجود فرد جديد بالأسرة أقبله مع عرائسي وأعتني به وأحمله وأجلس به بالشرفة أحكي له حواديت طفولية.
أشتاق قبلات صديقاتي بعيد ميلادي عندما كان يجمعهم أبي حولي ويشتري لنا الطراطير لعلمه أنني أفتقد وجود أخت بحياتي، لذلك كان يتفهم تعلقي بعرائسي وصديقاتي، وعلى الرغم من كرهي للسجائر ورائحة التبغ، إلا أنني كنت أحب قبلة جدي رحمه الله المعبئة برائحة السجائر والتي كان يعقبها تعطيره لكل أطفال العائلة بعد صلاة الجمعة بمعطر خمس خمسات، ثم يحتضنني ويضع بجيبي الصغير بعض حبات سكر النبات الذي كُنت أحبه، فلا تذهب من ذاكرتي هذه البوسة بطعم السكر ورائحة خمس خمسات.
القبلات أنواع كلنا نحتاج إليها، ولكن فائدة القبلة بجانب سد الشهوات والتعبير عن الحب هو إكساب الطرف الآخر الطمأنينة خاصة بلحظات انعدام الثقة بكل شىء والخوف، والحب نعمة انتظارها قاتل والسعي إليها جنون، والعشق هو المرض الوحيد الذي يحب المرء أن يصاب به بسعة صدر وسعادة، ولكني أشتاق لهذا النوع من القبلات الذي يكسبني الأمان وحرماني منه جعلني أصدق أنني رغمًا عني أنتمي الآن لعالم الكبار.
تعليقاتكم