كثيرا ما جاء ذكر السينما في أعمالي الروائية . ولقد كتبت أكثر من مقال في السينما ضاعت مني للأسف لأنها كلها كانت قبل عصر الإنترنت في مصر , ومن ثم كان الحفاظ عليها يحتاج شخصا منظما وهو ليس أنا وسأحاول هنا الوصول إلي بعضها .
حكاياتي مع السينما وفي السينما كثيرا ما تحدثت عنها بين الأصدقاء . في السنوات الأخيرة بدأ بعض الكتاب يطالبونني أن أكتب في السينما عبر حياتي . أسماء كثيرة أذكر منها الكاتب والناقد والمؤرخ السينمائي محمود قاسم والشاعر الصحفي سيد محمود الذي كرر مطلبه كثيرا وتشجعت به , وعدد كبير من الشباب المحبين لكتاباتي . ترددت كثيرا لأني مثل نجيب محفوظ لن أكتب مذكراتي التي تسللت إلي رواياتي . لكني أخيرا قررت أن أفعلها في هذا الجانب . السينما ؟ لم َ لا ؟
لم تكن السينما مجرد فيلما شاهدته وعدت إلي البيت , لكنها كانت ” مشوارا ” رائعا مع أصدقاء أفتقدتهم في الحياة فيما بعد . مشوار رائع في طرقات وشوارع فقدت بريقها وجمالها ومدن تقريبا اختفت رغم أنها لا تزال تحمل أسماءها . السينما كما عرفتها تاريخ وطن وتجليات لروح ذلك الوطن . ومن ثم فكرت أن أكتب رغم أني في السنوات العشر الأخيرة لم أعد من رواد السينما إلا نادرا , بحكم السن والقدرة علي الحركة في بلد أقصي آمالك فيها أن تعود سالما إلي البيت أو تذهب إلي موعد ما دون تأخير .
لم أكن أعرف وأنا صغير أن دور السينما في الإسكنرية وراءها تاريخ طويل يمكن إجماله كله في أن الإسكندرية كانت المدينة الأولي التي تم بها أول عرض سينمائي في مصر وهو فيلم الأخوان لوميير الفرنسيين الذي يعتبر أول فيلم في تاريخ السينما . إختار الأخوان لو ميير أن يكون العرض الأول للفيلم خارج فرنسا في المدينة الكوزموبوليتانية ” العالمية ” الإسكندرية . كان ذلك في 5 نوفمبر عام 1896 بعد أقل من عام علي عر ض الفيلم في باريس في فرنسا .
كانت أول دار سينما فتحت في مصر في شارع محطة مصر في الإسكندرية وكان اسمها “سينما لوميير” وكان ذلك عام 1897 وأرسل الأخوان لوميير مصورا لهم ليصور أفلاما عدة عن الإسكندرية كان منها فيلم عن ” ميدان القناصل ” بالمنشية وكان هو أول فيلم صور في مصر .
بعدها تتالي حضور المصورين السينمائيين إلي مصر فكان أول فيلم روائي مصري قصير تم تصويره في الإسكندرية وهو فيلم “خاتم سليمان ” لمخرجه ليونارد لاريسي ومصوره الفيس أورفانيلي .
أول ناقد سينمائي في مصر كان من الإسكندرية وهو “السيد حسن جمعة” الذي سافر بعدها ليعمل في دار الهلال بالقاهرة . كذلك أسس في الإسكندرية المخرج محمد بيومي أول معهد للسينما وأخرج أفلاما مثل ” برسوم يبحث عن وظيفة ” عام 1923 وغيره من الأفلام وكان له استوديو في شارع سعد زغلول . كان الأجانب يتوافدون عليها ويصورون وأتي إليها الأخَوَان إبراهيم وبدر لاما الفلسطينيي الأصل اللذان ولدا وعاشا في شيلي وفي الإسكندرية بدأت أفلامهم وأسسا فيها أول ناد للسينما سنة 1926.
كل ما يتعلق ببدايات السينما كان في الإسكندرية , حتي الجرائد السينمائية ظهرت أولها فيها سنة 1908 وظهر غيرها ومنها جريدة ناطقة بالفرنسية كان اسمها ” سينيجراف جورنال” . وأول شركة انتاج سينمائي كان اسمها “سيتسيا sitcia ” أسسها “عزيز وكورنيل” مع عدد من الإيطاليين بدعم من بنك روما سنة 1917وهي الشركة التي أسست أول ستوديو تصوير في حي الحضرة . أول ممثل يأخذ دور البطولة كان السكندري فؤاد الجزايرلي في فيلم اسمه ” مدام لوريتا ” سنة 1919 وتخصصص بعد ذلك في شخصية “المعلم بحبح ” . وأول مخرجة في تاريخ مصر كانت سكندرية وهي عزيزة أمير في فيلمها “بنت النيل” سنة 1929 وأول بطلة سينمائية كانت من الإسكندرية وهي بهيجة حافظ .
تاريخ طويل للإسكندرية مع السينما لن يصرفني عن موضوع كتابي عن فتنتي بالسينما . لم أكن أعرف وأنا صغير غير أن عمر الشريف أصله منها ويوسف شاهين , ولقد كنت سعيدا غاية السعادة عام 1996 حين حضر عمر الشريف حفل توزيع جائزة نجيب محفوظ بالجامعة الأمريكية أول مرة لإعلانها عام 1996 وكنت أنا الفائز بها , وكان يجلس في نفس الصف الأول علي بعد قريب مني . إلتقينا فيما بعد في فرنسا في حديث سوف يأتي في الكتاب .
فيما بعد عرفت أنه منها خرج نجوم كبار أخذتهم القاهرة بعد أن صار لها الصدارة وقبلها أحيانا مثل منيرة المهدية التي لها فيلم واحد اسمه ” الغندورة “ .
ستيفان روستي ولد في الإسكندرية عام 1891 لأب نمساوي وأم إيطالية ومثله ولد حسن فايق وفاطمة رشدي وزينات صدقي ومحمود مرسي العظيم الرائع الذي حين صدرت روايتي “لا أحد ينام في الاسكندرية” بالانجليزية من الجامعة الامريكية في حفل توزيع جائزة نجيب محفوظ التي كنت فزت بها من قبل فوجئت به يناديني من بين الصالة” يا أستاذ ابراهيم . أنا من اسكندرية من باب عمر باشا ” . إلتقينا بعد ذلك مرتين في منزله . رحم الله هذا الفنان العظيم .
من مواليد الإسكندرية أيضا الفنانين شكري سرحان ورشدي أباظة وهند رستم وعمر الشريف وسمير صبري ومحمود عبد العزيز ومنيرة سنبل ونادية الجندي وأحمد لوكسر ووحيد سيف وعبد الغني قمر وكاميليا وشويكار و شادي عبد السلام وغيرهم ممن تعرف أسماءهم لو أردت من كتب عن تاريخ السينما التي رجعت أنا لواحد منها وانا اكتب هذه المقدمة وهو ” ميلاد الفن السابع في الإسكندرية the Birth of the seven Art In Alexandria “ الذي أصدرته مكتبة الإسكندرية وحرره الدكتور محمد عوض والدكتورة سحر حمودة عام 2007 وكان لي فيه مقال عن السينمات التي كانت وضاعت .
لا تزال الإسكندرية منبع الفنانين وستستمر رغم أي تدهور فيها .
لم أكن أعرف وأنا صغير أجري وراء الأفلام والسينمات السر وراء دور السينما الكثيرة في الإسكندرية وأنها أصل هذا الفن الجميل الذي كان أحد أهم ملامحها الروحية .
تعليقاتكم