في ظل انتشار الوهابية والتطرف الدين في المجتمع المصري الذي على حسب ما نعرف دخله الإسلام منذ 1400 عام، ومع بداية فرض قيود مجتمعية على الإبداع وحريته بحجة أنها تتنافى مع الآداب الإسلامية والشريعة بغرض إنتاج فن بما لا يخالف شرع الله، كخطوة في سبيل القضاء على الفن تماماً والعودة لأزمنة التخلف والإنحدار على الرغم من أنه يحتضر بالفعل لعوامل أخرى كثيرة، قررت البحث عن تلك الأفلام التي إستعان فيها صناعها بالرب الإله كشخص محرك أساسي في الأحداث، وكيف تم تجسيده وما هي تلك التساؤلات التي طرحوها من خلال تلك المعالجة الجريئة، متمنياً أن يفكر القاريء ثلاث مرات قبل أن يكمل المقال في نوعية السباب الذي سيسبني به، وكذلك ألا يتم منع عرض تلك الأفلام بعد ذلك ومحاكمة صناعها بتهمة الهرطقة والكفر والعياذ بالله.
عن قصة الأديب الكبير نجيب محفوظ – الذي يتهم حالياً بالحض على الرزيلة – صاحب الرواية الأكثر جدلاً في تاريخ مصر الأدبي – أولاد حارتنا – والتي منعت من النشر بحجة أنها إعادة تقديم لتاريخ الأنبياء وأن بطلها الجبلاوي الذي مات في أخر فصولها هو الله، ويقدم محفوظ في قلب الليل تصور جديد لفكرة الحفيد – الإنسان – الذي يدرس في الأزهر في رحاب الجد – وهو هنا الرب – والذي يقرر التمرد عليه فتفسد حياته بالكامل ويخرج من رحابه، وكم كان عاطف الطيب مخرج العمل واضحاً في صياغة الفكرة خاصة في ذلك المشهد الذي يدخل فيه الحفيد صغيرا غرفة جده المضاءة بطريقة خاصة للغاية لتبدو وكأنها الجنة، وكذلك أداء فريد شوقي المميز جدا في الفيلم، والذي كان يعرف جيداً أي دوراً يؤدي.
سيناريو وحوار المخرج الكبير داوود عبدالسيد والذي يتناول من خلال الفيلم الحياة البسيطة لبطل الفيلم التي تتغير لتدخل سيد مرزوق فيها – الفنان على حسنين – والذي يخوض بيوسف – نور الشريف – هذا الإنسان البسيط غمار الحياة ثم يتركه وحيداً ليتهم بعد ذلك في قتله، وليظل هارباً يبحث عنه طيلة الفيلم في رحلة بحث لا تنتهي للوصول إلى بر الآمان، وهي مسألة متكررة في أفلام داوود وتم صياغتها في هذا الفيلم بحرفية عالية لتمر من الجميع دون أن يلتقط أحدهم طرف الخيط، ولتبقى رحلتنا في البحث عن الله والوصل للإيمان مشروطة ببذل الجهد والخروج للدنيا، ليس فقط البقاء بين جدران المساجد.
عن سيناريو وحوار السيناريست وحيد حامد ومن إخراج سمير سيف، ويتناول الفيلم تلك الصفقة التي أدخلت بطل الفيلم أحمد – محمود عبدالعزيز – السجن – أو أنزلته الأرض تاركاً الجنة – ليخرج منه بعد ذلك غير متأقلماً على موطنه الأصلى، وأدى الدور هذه المرة الفنان حمدي أحمد والذي أطلق عبارة صريحة للغاية من خلال الحوار حين قال مخاطباً البطل “أنا بتقابلني مرتين لما أديك الحياة ولما آخدها منك”، ويطرح الفيلم عدة تساؤلات خفية عن علاقة الإنسان بالحياة والتحولات التي تفرضها عليه الظروف.
نعود من جديد لداوود عبدالسيد صاحب الأطروحة الدائمة حول الشك والإيمان وعلاقة الإنسان مع ربه، وفي هذا الفيلم يتناول فكرة إرسال يحي – أدم أو الإنسان – الذي قام بدوره الفنان أحمد زكي إلى أرض الخوف ليقوم ضابط الشرطة النقي بالعيش بين تجار المخدرات، ثم إنقطاع الرسائل عنه بعد خروج قادته من الخدمة، وبقائه في الأرض وحيداً مطارداً، وهنا لم يتم تجسيد الرب مباشرة – ربما فقط من خلال العقيد الذي كان يرسل الرسائل ليحي – ولكن تم طرح فكرة الإغواء من خلال مشهد التفاحة الشهير، وكذلك تناول الفيلم ضيعة الإنسان على الأرض.
استعرضت خلال هذا المقال أربعة أفلام ناقشت مواضيع إيمانية بصور مختلفة، والعدد قد يكون أكثر بكثير، لم يسيء أحدها لرب العزة، ولم تلفت إنتباه أصحاب العقول الضيقة لأنهم لم يستوعبوها، وهي أفلام ذات قيمة فنية عالية، تضع المشاهد أمام تساؤلات هامة، يخوض بها رحلته كإشارات، في تأكيد على دور الفن في الحياة، كذلك في تأكيد على أن الحرية لا تصنع مسوخاً، بل تقضي على المسوخ شيئاً فشيئاً.
تعليقاتكم