في يوم 11 ديسمبر 1911 كان الحاج عبد العزيز إبراهيم أحمد الباشا مع زوجته في المستشفى، حيث أنها في حالة ولادة متعسرة أجزم الجميع أنها لو عاشت فلن يعيش جنينها ولو عاش جنينها فستموت هي ـ حسب التشاؤم ـ  حتى أتى الدكتور نجيب محفوظ ونجح في علاج الحالة وأقسمت الأم أن تُسمي ابنها باسم مُركب ليصير الاسم نجيب محفوظ وليكون المولود هو أديب مصر العالمي نجيب محفوظ.

الدكتور نجيب محفوظ أب لـ 25 ألف طفل

دوماً وهو يجلس في حديقة منزله، ومع أي حوار صحفي يتم إجراءه معه، يقول الدكتور نجيب محفوظ عن نفسه “أنا أب لـ 25 ألف طفل”، لم يكن يهم الدكتور نجيب محفوظ الاهتمام بأي إنجاز طبي حققه في الولادة، بقدر أنه كان سعيداً لنجاحه في بث روح الأمل وتحقيقها لدى الأمهات اللاتي حرمن من الولادة بسبب العُقْم، فضلاً عن إنقاذ حياتهن أو أنجالهن.

أعجب ما يمكن إدراكه في سيرة الدكتور نجيب محفوظ أنه هو نفسه كان سيموت عند ولادته، فقد كانت ولادتها متعسرة وكادت أن تفقد حياتها هي وجنينها لولا أن نجح الطبيب منصور وزوجته الممرضة جيهان في إنجاح عملية الولادة، وكانت هذه القصة لها أعمق الأثر في نفس الدكتور نجيب محفوظ كما يؤكد ذلك مؤرخ متحف التعليم الدكتور أحمد عطية الله.

 نجيب محفوظ في الدراسة .. تفوق و نجاح

الدكتور نجيب محفوظ من مواليد المنصورة في 5 يناير سنة 1882 م، التحق بمدرسة الأمريكان الإبتدائية، وكان أكثر ما يعجبه هو تعلم مادة اللغة العربية والذي تفوق فيها على يد الشيخ عبدالله عميرة، كما تفوق منذ صغره في مادة إلقاء الخطابة والتعبير.

يرجع سبب حب الدكتور نجيب محفوظ إلى الإنشاء، كونه تلقى التعليم بطريقة حديثة على يد الشيخ محمد المهدي في المدرسة الأميرية بالمنصورة، كما تفوق فيها تفوقاً لافتاً غير أنه وفق تقارير تلك المدرسة كان خطه في الإنشاء سيئاً.

تعهد أحمد بك نجيب ناظر مدرسة المنصورة بتعليمه فنون الخط العربي حتى أجاده، وكان يكتب لافتات المدرسة حتى يتم تعليقها في طابور الصباح مما أكسبه شهرةً كبيرة وهو صغير .

 عام التخرج تأخر بسبب كارثة مصرية جعلته مشهورًا

التحق الدكتور نجيب بمدرسة قصر العيني الطبية في عام 1898 م وتلقى تعليمه فيها على أيدي الأساتذة الأوروبيون، وكان مفترض أن ينهي دراسته سنة 1902 م لولا مصيبة أحاقت بمصر كلها، وكانت تنتظره هو لتضعه على أول درجات سلم النجاح .

ظهر وباء قرية موشا في أسيوط كاد أن يفتك بها وبمن حولها من المناطق فقرر الخديوي عباس حلمي الثاني تجنيد طلبة الطب المصريين للمساهمة في مكافحة الوباء وكان الدور الموكل لنجيب محفوظ هو الكشف عن الحالات الواردة إلى القاهرة من خلال محطة السكة الحديد الرئيسية إلا أنه طلب نقل خدمته إلى موشا نفسها وسافر إلى هناك ونجح في اكتشاف سبب الوباء حيث كان السبب هو بئر ملوث داخل منزل أحد الفلاحين.

ما بعد التخرج .. من التخدير إلى قمة المجد

تخرج نجيب محفوظ من مدرسة قصر العيني الطبية في العام 1902 م لينهي فترة تكليفه في أحد مستشفيات السويس في عام 1904 م ويتم تعيينه كطبيب تخدير في قصر العيني، لكن نجيب محفوظ يقوم بتدشين عيادة خارجية لأمراض النساء والولادة، وسرعان ما تحقق العيادة نجاحاً مذهلاً فيتم إضافة عنبرين كاملين إليها ويشرف نجيب محفوظ على إجراء الولادات المتعسرة في العيادة وفي منازل المواطنين.

الدكتور سمير سميكة في حواره لجريدة وطني كشف عن السبب الذى جعله يغير مساره من طبيب تخدير إلى طبيب نساء حيث قال: عندما كان الدكتور نجيب محفوظ في الإسكندرية عام 1902 اصطحبه وكيل المستشفى الأميري في حالة ولادة متعسرة ليقوم بتخدير المريضة، وحدثت كارثة فقد انفصل رأس المولود داخل الرحم وبقي جسد الطفل في أيدى الوكيل ومساعده وتركت هذه الحادثة أثراً على نفسية نجيب محفوظ ، حيث ظل لعدة أيام فى حالة نفسية سيئة فقرر أن يخوض تخصص النساء والتوليد.

يستمر مشوار نجاحه الذي ترقى لدرجة أستاذ أمراض النساء والولادة في العام 1929م وظل يشغل هذا المنصب حتى بلوغه سن التقاعد عام 1942 م ويتم مد خدمته لخمس سنوات إضافية بناءاً على طلب زملاءه وتلاميذه بالقسم.

الدكتور نجيب محفوظ في بلاط الحكام

كانت علاقة الدكتور نجيب محفوظ بالحكام في قمة المثالية والموضوعية، فله حكاية ذكرها حفيده بجريدة وطني مع الملك فؤاد حيث قال ” الملك فؤاد استدعاه للحضور أثناء ولادة الملكة نازلي ، ولكفاءته طلب منه الملك أن يؤلف كتاب عن تاريخ الطب في مصر في غضون ستة أشهر وبالفعل قام بتأليف الكتاب بعنوان “تاريخ التعليم الطبي في مصر” وهو مرجع هام داخل مكتبة قصر العيني .

و استدعاه الملك فاروق أثناء ولادة الملكة فريدة فذاع صيته في العائلة الملكية وكان فاروق يقدره جداً بل حضر محاضرة له داخل قصر العينى وكان أحيانا يطلبه للاستشارة.

ورفض تعيين نجل رئيس الوزراء عبدالخالق باشا ثروت معاوناً له بقسم الطب، وذلك لأنه ليس من حقه وإنما من حق آخرين يسبقونه بعشر سنوات خبرة.

قدره ملوك ورؤساء مصر ومنحوه النياشين والجوائز التقديرية ففى عام 1919 أنعم عليه بنشان النيل وفى عام 1930 برتبة الباكاوية ثم برتبة الباشوية عام 1937 ، فضلاً عن أن الرئيس جمال عبد الناصر كان يحترمه جدا وكان طبيبا لأسرته وفى سنة 1959 منحه جائزة الدولة التقديرية للعلوم، وتم أيضاً تكريم محفوظ في عهد الرئيس أنور السادات.

أسرة الدكتور نجيب محفوظ .. الجندي المجهول

كان لأسرة الدكتور نجيب محفوظ دور هام في مسيرته، فزوجته فايقة، تنتمى إلى أصول عائلتها إلى المعلم رزق غبريال ـ في أواخر عهد المماليك ـ الذي منحه محمد على لقب أغا، تزوجها الدكتور نجيب محفوظ عام 1911م كانت تساعد الفقراء حيث سنة 1939 أنشأت “جمعية صديقات الكتاب المقدس” لعمل الخير ومدراس للبنين والبنات ممن يعجز أهاليهم عن العناية بهم.

عندما فارقت زوجة الدكتور نجيب محفوظ الحياة قال عنها “لم أكن أعرف الأعمال الخيرية التى كانت تقدمها زوجتى للفقراء” توفت عام 1952، وكان لنجيب أربعة بنات وولد ، وتوفي ابنه الوحيد سامي إثر حادث أليم.

مصر قبل أوروبا في هذا المجال بفضل الدكتور نجيب محفوظ

كان الدكتور نجيب محفوظ جعل مصر أول بلد قبل انجلترا فى مجال العناية بالأم قبل الوضع كما أرخ هو بنفسه في كتابه “حياة طبيب” ووفقاً لكلام حفيده الدكتور سمير سميكة، حيث قام بإنشاء أول عيادة للحوامل فى مصر لتباشر السيدة الحامل والعناية بالأم قبل الوضع.

وله أيضاً إسهامات طبية ضخمة، حيث كان أول المتمكنين في جراحات إصلاح الناسور المهبلي بأنواعه المختلفة ليتم عرض عملياته في مستشفيات لندن وأكسفورد ويزور رواد الطب العالمي مصر لمقابلته.

وأسس أول مركز لرعاية الطفل بقصر العيني أثمر بعد ذلك مراكز رعاية الطفل والأمومة على مستوى الجمهورية، وعلى غراره أنشأت وزارة الصحة فى عام 1937 قسم رعاية الطفل والأمومة ومراكز رعاية الطفل وتتواكب أعماله التي كاد أن يتحمل نفقاتها من جيبه الخاص.

وأنشأ أيضاً جمعية الولادة وأمراض النساء المصرية التي تقوم بدور هام فى البحث العلمي ونجاحه في تحضير أفلام سينمائية ملونة ناطقة للجراحات التى ابتكرها للأمراض التى كان الأمل ضعيف في شفائها، وعن عمر 92 عاماً توفي الدكتور نجيب محفوظ في 25 يوليو سنة 1975 م.