أن تبدأ حياتك عاملاً في مصنع للطوب وتملك تلك الإبتسامة التي لا تغادر وجهك فأنت إنسان مختلف.
أن تبدأ حياتك الكروية لاعباً في نادي للدرجة الثانية وتنضم من خلاله للمنتخب الوطني كأول وأخر لاعب من الدرجة الثانية ينضم لمنتخب مصر فبالتأكيد لديك موهبة فذة.
أن تلعب للنادي الأهلي ١٠ سنوات تحقق فيها ٥ بطولات لأفريقيا و٧بطولات دوري و٣ كؤوس و٤ كؤوس سوبر محلية ومع منتخب بلادك بطولتين للأمم الأفريقية وتكون صاحب أكثر الأهداف المؤثرة في تلك البطولات فأنت محمد محمد أبو تريكة.
سكة أبو زيد كلها مسالك، صنع هذا البطل العربي أسطورته الخاصة فقط بذراعه دون أن يعاونه أحد، المهدش أن البطل الذي أنكروه لسواد بشرته كان المنقذ الحامي لقبيلته وقائدها في الهجرة إلى الحياة بعدما قاربت على الفناء.
كذلك هو أبو تريكة الذي ينكرونه دائماً، يقود الأهلي بعد سنين عجاف لكل البطولات فتستبعده الإدارة من أية مناصب بعد الاعتزال، يحقق بطولات الأمم مع زملائه ويمثل مصر في كل فعاليات الفيفا التي تضعه في مرتبة واحدة مع نجوم بحجم مارادونا وزين الدين زيدان وفيجو وغيرهم من أساطير اللعبة وتنكره مصر وتضعه على قائمة الإرهابيين.
صنع أبو تريكة كل مجده فقط بذراعه – أو بقدمه لدقة التعبير – لم يعاونه أحد ولم يحتاج إلى الفساد لكي يلمع ويحبه الناس، فقط كان عليه أن ينكر توجهه الديني المحافظ الذي يشبه الملايين من أبناء الريف أو أن يصنع هالة إعلامية من أجل أن يعرف الجميع أن تريكة لا يحب سوى كرة القدم ولم يخلص سوى لمهنته التي أعطته الكثير لأنه أعطاها.
يحكي مانويل جوزيه بانبهار عن لاعبه الذي يصل إلى النادي في السادسة صباحاً يقرأ جزء من القرأن قبل أن يبدأ في تناول الإفطار مع عمال غرفة الملابس ويخوض تمريناً منفدراً للياقة قبل مران فريقه الرئيسي الساعة التاسعة.
يحلم المدرب البرتغالي بأن يتحول كل لاعبيه لهذا اللاعب المخلص المتواضع الكريم الذي يتحول في الملعب إلى تماماً ما كتبوه عن أبو زيد الهلالي
أبوزيد أبصر عمل كيف
أسد وآخر خلاصه
ميل على خصمه بالسيف
عزل جثته من راسه
ومن منا ينسى هدفه في الكاميرون في الدقائق الأخيرة في نهائي بطولة أفريقيا ٢٠٠٨ وفي الصفاقسي التونسي في ٢٠٠٦.
حياة أبوزيد الهلالي هي المثل لحالة أغلب المستضعفين ونظرتهم لأنفسهم فهم أصحاب حقوق لكن حقوقهم مهدرة، ربما كانت التغريبة هي الخلاص وخاض معاركه فيها حتى أستقر بعد أن هزم الزناتي خليفة، كذلك كان أبو تريكة في تغريبته الجديدة يعاني في وطن بلا الزناتي خليفة، يحجز على ماله ويهينه أراجوزات لم يقدموا لمصر نصف ما قدمه، ويدنس اسمه بالوجود في قوائم ضمت أعداء الوطن.
ربما لم يعلم ذلك الطفل الصغير حين كان يحمل الطوب الأحمر على كتفيه قبل ٣٠ عاماً أن دموع ليلته الأولى التي تذكرها يوم بكى في مذبحة بورسعيد ستلازمه بقية حياته، وأن ذلك القالب الأحمر الصلد الذي شارك في صنعه سيبقى يتكاثر ويصنع سدوداً في طريقه يتجاوزها وحده.
حتى ذلك الإرهاق الشديد الذي شعر به الطفل العائد لمنزله بعد أول يوم عمل والذي تلاشى مع حضن والدته وبقيت الإبتسامة التي لا تغيب والذي يعاوده الأن دون سبب جسدي سينتهي بحب الملايين الذين أطلقوا عليه لقباً لم يفهمه القاضي.
ومنذ متى كان أمراء القلوب إرهابيين تم رفع اسمه اليوم من قوائم الإرهاب ولكنه على قائمة أخرى ونسي من وضعوه أن أسمه لم يغادر قلوب عشاقه لحظة واحدة
مقال رائع يلخص ويفي ويصف كل ما يمكن أن يقال عن شخصية صعب أن تتكرر
أحسنت
عجبي على من ينصفه الغرباء وينكره الاقرباء
مقال تحفة احسنت ولك من جزيل الشكر علي هذا المقال