الغضب كان يستولي على كيان أحمد باشا عطية وزير الدفاع الوطني في حكومة النقراشي الثانية، والسبب في ذلك قائد محمد صدقي محمود قائد الأسراب الملكية، فلقد قام الأخير بإحراج قادة الجيش أمام الملك بسبب بنت البارون إمبان نظراً لأن هذا الضابط احتك بها ووزارة الداخلية أهانت الجيش كله بسببه.
ربما لم يوجد شخص سيء الحظ في مجال العسكرية المصرية مثل محمد صدقي محمود، ودائماً حياته مشكلاتً وأزمات ليس لها فيها أي دخل، لكنه يعاقب عقوبة صارمة ولا تتوقف العقوبة إلى حد مستقبله، بل أيضاً تغير وضع مصر كله.
كان محمد صدقي محمود قائد الطيران سنة 1967 م، هو أول الذين حذروا من المجازفة، ونوه إلى أن الطيران غير مستعد لمعركة مع إسرائيل، لكن وقعت الحرب رغم التحذيرات وكانت الخسائر كلها في سلاح الطيران، وعوقب صدقي محمود بالسجن 15 سنة في قضية الطيران كما عوقب صدقي الغول قائد الفرقة الرابعة بنفس العقوبة، ولأول مرة في تاريخ جمال عبدالناصر تخرج مظاهرةً ضده يهتف فيها الناس بـ ” لا صدقي ولا الغول.. عبدالناصر هو المسؤل”.
الأمر نفسه في موقف مختلف تكرر مع صدقي محمود لكن سنة 1947 م وقت أن قائد طيران الملك فاروق والمسمى آن ذاك بـ “الأسراب الملكية”، حيث تعرض للتحقيق بسبب مشادة كلامية وقعت بينه وبين بنت البارون إمبان، وكانت قيادة الجيش في العصر الملكي لا تهتم إلا برضا الملك في أي قرار حتى لو كان عسكرياً، مما أدى لاحقاً إلى ضربة قاسية تلقاها الطيران المصري في حرب 1948 م، وكان محمد صدقي محمود لا زال قائداً للأسراب الملكية.
الأزمة تعود جذورها طبقاً لوثائق إدارة السلاح الملكي، أنه بتاريخ 7 إبريل سنة 1947 م، كان قائد الأسراب الملكية محمد صدقي محمود يجلس مع صديقه سيد ياسين في النادي الليلي بفندق هليوبوليس بالاس، لسهرة بينهما وتكلما عن الجلاء البريطاني عن مصر.
تدخل ضابط انجليزي في الحديث بشكل وديٍ وكان غير معروف بالنسبة لصدقي محمود، وأثناء الحديث جاءت فتاة وتدخلت في الحديث بحدة غير مبررة وقالت “مصر بدون إنجلترا لا شيء .. ولو حدث الجلاء ستكون مصر صفر كبير”.
لم يرد صدقي محمود على إهانة الفتاة لأنه رأى استغلالها أنها أنثى ولن يجرؤ على إهانتها، لكنه طلب منها التوقف ومغادرة الفندق وإلا سيطلب البوليس، فأجابت الفتاة في صلافة ” هليوبوليس ملك أبيها .. اخرج أنت منها ومن الفندق”، وهنا فطن صدقي محمود وعرف أنها بنت البارون إمبان مؤسس مصر الجديدة و هليوبوليس وصاحب قصر البارون.
جرى تصعيد في الحديث مما استدعى صدقي محمود لمناداة مدير الفندق والذي كان لا يقف بصفها، وحاول التهدئة التي أسفرت عن إنصرافها ، لكن لم تنتهي الأزمة عند هذا الحد، بل جرى ما صدم محمد صدقي محمود نفسه لاحقاً.
بنظرة مجتمع الأربعينيات فإن محمد صدقي محمود من صفوة الصفوة، فهو ليس من الحاشية ولا من الإقطاعيين، لكنه رجل “عسكري”، بالإضافة إلى ذلك أنه ليس في أي سلاح إنه قائد الأسراب الملكية التي تضم طائرة الملك فاروق والعائلة؛ فلم يتوقع مطلقاً أن يعامل بإهانة من وزارة الداخلية المختصة بالأمن المدني الداخلي، والصدمة كانت في أن الذي شد معه في الحديث كان “صول”.
دخل اليوزباشي حسين مهنا والصول إبراهيم قنصوة التابعين لقسم مصر الجديدة إلى الفندق بعد مشادة بنت البارون مع صدقي محمود، وربما جاء دخولهما بعد إتصالٍ من أحد الرعايا، فرحب صدقي محمود بمجيئهما وتوجه إلى غرفة مدير الفندق حيث كانا يجلسان هناك.
دخل صدقي محمود وطلب من اليوزباشي إجراء تحقيق والائتيان بالفتاة ابنة البارون إمبان للتحقيق معها بسبب هجومها على مصر وفي حال ثبوت أي تهمة على صدقي محمود فهو مستعد للمساءلة، وانتظر صدقي محمود الرد فلم يأتيه من اليوزباشي (النقيب حالياً) بل أتاه من الصول الذي كان يجلس على المكتب وقال “ده مش شغلنا لو عاوز حاجة روح القسم”.
فوجئ صدقي محمود من الرد فقال طبقاً لوثائق الشكوى التي أرسلها لوزير الدفاع، “متدخلش في الكلام يا حضرة الصول .. لإن عسكرياً دا مينفعش .. انت اسمك إيه” ؟ فأجابه الصول “روح القسم وخده من هناك”، وكان هذا الرد غريباً والأغرب عدم تدخل اليوزباشي.
على الحياد كان اليوزباشي واقفاً مع مشادة قائد الأسراب الملكية وصول قسم مصر الجديدة، مما جعل صدقي محمود يقرر رفع الأمر إلى وزير الدفاع لأخذ حقه العسكري، والذي من المؤكد لم يعطيه له، والسبب في ذلك واضح وهو أنها بنت البارون إمبان صاحب مصر الجديدة.
تعليقاتكم