لم تكن يوما قصيدة مكتوبة لها، بل مكتوبة فيها، والفرق شاسع بين أن تكتب لك قصيدة وأن تكتب فيك، قصيدة كتبها عاشق يأس، يعشق فتاة تلاعبه فتارة تبادله الغرام والهيام وتارة تصده وترفضه، في فترات الهيام تلك يراها الرجل العاشق في أحضان غيره ليكتب فيها لا تكذبي، فتسمعها الفتاة لتجيب ببساطة قاتلة قاسية، ها أغنيها أمتي يا كامل؟
لم توفق نجاة في غناء قصيدتها الأشهر لا تكذبي، والسبب ببساطة الأغنية ذكورية بحتة، كتبت بمنظور ومنطق رجل، فخروجها من فم سيدة كان غريبا، ولكن الأهم ان نجاة “الجلاد” في تلك القضية لم تجيد الإحساس بما شعر به كامل حينما رآها في أحضان غيره، لم تفهم تلك المشاعر التي دفعته إلى قول “ودعي البكاء فقد كرهت الأدمع”.
في المقابل لفشل نجاة الذريع في فهم وتقديم مشاعر الأغنية، كان عبدالوهاب قدم لحنا يحاكي تلك المأساة صدقا وألما، كان يعرف بالتأكيد كان يعرف وهل كان شيء يخفى على عبدالوهاب في الوسط الفني، كان يعرف وإن لم يكن فقد عرف من الكلمات التي كتبها الذبيح كامل الشناوي.
ورغم فشل نجاة الذريع كانت كلمات الأغنية ولحنها الصادق هدية مغرية لجميع المطربين فطلب عبدالحليم أن يغنيها وفعل، ولكنه على الرغم من ذلك لم يفهم الكلمات ولم يخرجها بالإحساس المطلوب أو المناسبة لفداحة المجزرة والمأساة، فقط جاري لحن عبدالوهاب، وغنا الأغنية كما فعلت نجاة ولم يزد ولم ينقص.
ولكن يبدو أن عبدالوهاب كان قد تأثر للغاية بتلك المأساة العاطفية التي خاضها الشناوي، ولأنه كان دائما يغني ألحانه ويسجلها، فقرر الإفصاح عن هذا التسجيل الذي غناه على العود فقط لا غير، لتكتمل المأساة فعليا بصوت عبدالوهاب، ربما لو كان كامل الشناوي يستطيع الغناء لما غناها مثلما فعل عبدالوهاب.
مع عبدالوهاب على عوده تجد اللحن يقطر ألما وبكاء، ينفعل حزنا حينما يقول ” إني رأيتكما” هنا عبدالوهاب ينفعل ويغضب ولكن أي غضب، هل يغضب كما غضبت نجاة وغضب حليم من بعدها بثورة وزعيق، لا فهو غضب وهو مكسور وحزين ومجروح، غضب ذلك الذي يسلم الروح إلى خالقه، غضب الذي لا حيله له في شيء غضب العاجزين عن تحقيق الأماني.
” لا تخجلي.. لا تفزعي مني.. فلست بثائر” تلك الكلمات التي كتبها كامل الشناوي بصوت عبدالوهاب تحمل معنى وبعد أخر عن ذلك الذي حملته حينما خرجت من حنجرة عبدالحليم أو نجاة، فقط خرجت وكأنما قالها كامل الشناوي بنفسه كأنه من غناها، ولكن السؤال كيف ادرك عبدالوهاب إحساس كامل الشناوي بالأمر لتخرج منه لا تكذبي بهذا الشكل.
الحقيقة أن لا أحد يعرف كيف استطاع عبدالوهاب فهم ما يشعر به كامل الشناوي، وربما لا تكذبي يمكن أن تتربع على عرش أفضل أغاني محمد عبدالوهاب دون منازع كمطرب، وكملحن، لتبقى المأساة خالدة بصوت عبدالوهاب ودموع كامل الشناوي بينما لا تكذبي التي غنتها نجاة في رأيي لا تصلح أن تعبر عن تلك المأساة التي كانت هي سببا فيها
تعليقاتكم