ارتدى عباءة السلطة والحزن، وتحفز لكي ينهض بدولته الوليدة، لكن كيف يحقق ذلك؟، هكذا كان حال الشيخ مبارك الصباح بعد توليه حكم الكويت في الثالث عشر من مارس سنة 1896 م بعد شقيقه الشيخ محمد بن صباح الصباح.
لم يجد الشيخ مبارك الصباح مفراً من أن يتحالف مع الإنجليز ضد العثمانيين الذين كانوا يرفضون حكم آل صباح ويحاولون انتزاع الكويت للسلطان العثماني، الأمر الذي انتهى بقتل شقيق مبارك الصباح.
كان التحالف بين الكويت وإنجلترا تم في العام 1899 م، بهدف التوحد ضد النفوذ العثماني، ونصت اتفاقية التحالف السياسية على استقلال الشيخ مبارك في قراراته السياسية دون أي تواجد عسكري من إنجلترا، وفي المقابل لا يبيع أو يؤجر أو يستثمر في دولته مع أي دولة أخرى دون أخذ موافقة الإنجليز والذين كانت لهم مصلحة في قبول تلك المعاهدة.
استمرت المعاهدة بين إنجلترا والكويت 62 عاماً، حتى أُلْغِيت نهائياً في العام 1961 م في هدوء شديد ولم يسفر عن أي صدام بين التاج البريطاني والعقال الكويتي، لكن في تفاصيل تاريخ الدولتين، كانت هناك أزمة ربما ستلغي بنود المعاهدة وتحول الكويت إلى دولة محتلة على يد الإنجليز وليس محمية سياسية لهم، وكانت تلك الأزمة هي قطط مطعم مملكوك لأحد الأفغان الساكنين في الكويت ويُدْعَى عبدالمطلب بن ماهين أحد رعاة بريطانيا.
في مارس من العام 1937 م، قررت السلطات الكويتية اعتقال عبدالمطلب بن ماهين بتهمة بيع لحم القطط بدلاً من الضأن، وإن كان قد خالف القانون لكن الكويت أيضاً خالفت المعاهدة التي أبرمتها مع بريطانيا نظراً لأن المتهم من رعاياها.
توجه وفد من بريطانيا إلى مقر الشرطة الكويتية وأخذوا عبدالمطلب ليسجنوه ويحققوا معه في مبنى الوكالة الأمنية الإنجليزية، مما تسبب في إثارة الكويت متمثلةً في مفتش الأمن آن ذاك الشيخ أحمد بن جابر الصباح، وتمت تبرئة عبدالمطلب من التهم المنسوبة إليه نتيجةً لدبلوماسية إنجلترا وخطأ ارتكبه مفتش الأمن، طبقاً للوثائق الأمنية آن ذاك.
كان الخطأ الذي وقع فيه مفتش الأمن هو زيارة منزل المتهم والعثور على قطط سمينة هناك، واعتبر هذا دليلاً يثبت تورط عبدالمطلب، من جهته أجرى جيرالد سيمبسون ديجوري الذي كان يشغل منصب الوكيل السياسي الإنجليزي بالكويت زيارة لمنزل مفتش الأمن نفسه وكلمه بلسان شديد حين وجد قطط في منزل المفتش، وألمح له أنه يمكن أن يضعه في شبهة لو كانت المسألة تُحْسَب بوجود قطط في البيوت.
يوضح الباحث الإنجليزي “لوي أولداي” المتخصص في تاريخ الخليج واللغة العربية، جوانباً أخطر في الكويت طبقاً لوثائق المملكة البريطانية والمحفوظة في أرشيف قطر الوطني، حيث أن الكويت انقسمت إلى فريقين في تلك الأزمة.
كان الفريق الأول مؤيداً للمتهم والآخر معارضاً له، مما جعل الوضع الإنجليزي سياسياً على المحك نظراً للعدائية التي بدت تظهر من شعب الكويت، فلم يجد ديجوري مفراً من إظهار مخالبه حيث أجرى زيارة للمطعم ووبّخ عمدة المنطقة بصفته هو من رفع الدعوى ضد المطعم في البداية.
وساهم ديجوري في الضغط على علماء الكويت، حيث دعموا عبدالمطلب أيضًا بسبب أعماله الخيرية، مما جعل الحكومة الكويتية تنهي المسألة سريعاً رغم إحالتها للقضاء.
الحاكم بأمر إنجلترا في الكويت، أرسل رسالة إلى العائلة الحاكمة فيها إلماح بأن إنجلترا لو أرادت تصعيد الموقف ستفعل، حيث قال في رسالة لها “الرعايا البريطانيين حتى المتهمين منهم بارتكاب جرائم كانوا تحت حماية خاصة ولا يمكن اعتقالهم أو محاكمتهم من جانب السلطات المحلية”.
يشبه هذا الموقف كثيراً الذريعة التي دخلت بها إنجلترا إلى مصر، حيث مذبحة الإسكندرية التي وقعت بسبب عربجي وأحد الرعايا الإنجليز وأدت إلى معركة أهلية راح فيها 50 إنجليزي و 250 مصري، فكانت تلك ذريعة للاحتلال البريطاني، وربما كادت الكويت أن تدخل في الاحتلال لو تلككت إنجلترا.
تعليقاتكم