“أنك قضيت وقتاً أقل فيما حرموك منه، أنك أستغرقت وقتاً أطول فى البحث عن الذين تنتمي إليهم “.. عبارة قرأتها بأحدى الكتب وقد استشهدت كاتبتها بأسطورة فرخ البط القبيح.
تحكى الأسطورة ” عن بطة فقس بيضها كله إلا بيضة واحدة كبيرة الحجم وغريبة الشكل تأخر فقسها ،وما أن تخرج ما فى جعبتها فتجد فرخ بط قبيح وكبير الحجم ،يسخر مجتمع البط منه ويتعمد أذيته وعضه رغم أن الأمر خارجاً عن يده .
فى البداية تدفع الغريزة الأم للدفاع عن أبنها ثم ما أن تنكسرعزيمتها أمام طوفان رفض مجتمعها وتتمنى أن يرحل عنها ،ليهيم الصغير البائس تتخبطه الدروب ،فيحاول أن يتكيف فى مجتمعات مختلفة تارة فى منزل فلاح وتارة فى منزل عجوز ومرة فى بحيرة مثلجة تحشره بين ثلوجها وأخرى وسط سرب من البط، يفشل الصغير فى أن يجد هوية وجماعة جديدة تقبله وتشبهه ويكون جزء غير مرفوض فيها .
وبذات يوم يرى سرباً من البجع يحلق فوق راسه يتمنى لو انه يستطيع ان يحلق معها ولكنه يظن أنه لا يعرف الطيران هو لم يجرب بعد ،بضع أيام أخرى من شتاء قارس فيكبرالصغير، يدرك قوة جناحيه فيحاول فينجح يحلق ، على بعد أمتار يشاهد من تلك المخلوقات التى أسرته بجمالها بجعتين يسبحان بالبحيرة ،يود لو أن يقترب منهما ،ولكنه الخوف والفشل يمنعانه فيقترب فى توجس خفية الرفض مرة أخرى ولكن ينجح فى المرة الأخيرة يقتربان منه ويداعبنه بجناحيهما ويرقصان فى ترحاب حوله ليكتشف الصغير أخيراً نفسه و أنه فرخ بجع ” .
يمكن أيضاً أن نضيف سلسلة من الأفلام والقصص التى تنقل نفس الفكرة كفيلم “روكى ” و” الفار الطباخ ” وربما نستشهد ببومبا الخنزيرالشهير فى سلسلة أفلام تيمون وبومبا ،رفضه قطيعه فهرب وحيداً ليجد صديقه تيمون ويكتشف كم هو رائع بسبب تلك الصداقة .
هذا تماما ما يكتشفه الأنسان حين يقرر أن يخرج من شرنقة المجتمع الرافض له والخانقة لأى أبداع مختلف عنه وأخص بالذكر نصف المجتمع المراة فقد يتجلى الأمر كلما لمس فئة تعانى قهراً أكثر وأشد ، يبدو أن المجتمعات الشرقية تقولب كل مفاهيمها ، فنحن لا نولد بل نصب فى قوالب من أشكال محددة لتخرجنا جميعا بنفس الشكل والمعيار والجودة وماعدا ذلك فهو فاسد مرفوض يلقى به فى كومة الوحدة والتجاهل .
نحن حيث مجتمع يضع معياراً للثقافة فهو يرى أن دراسة فرع من فروع الأدب مثلا تعد ثقافة أما غيرها من فروعه وكتبه لا فائدة او طائل منه، مع أن الثقافة تشمل كل أنواع المعرفة التى يحتك الأنسان بها سواء فى الجد او اللهو، الملفت فتلك النقطة إن من ينكرهم على الثقافة يقرأ لهم سراً ومن يبجلهم ويقدسهم فى طريق الثقافة لم يقرأ لهم يوماً إن لم يكن يقرأ لأحد من الأساس .
مثال أخر يضع معياراً وشكلاً مظهرياً للأخلاق وماعداه ففاسد ومنحل فالفتيات لهن نمط محدد خاص بملابسهن وهو ما يحدد أخلاقهن ،على الرغم أن الأخلاق والمبادىء هى ما يتحدد عليها أفعال الأنسان وقرراته وليس مظهره مطلقا ،وعلى الرغم من أن التمييز بين البشر عن طريق الوشم أو وضع علامات على الوجه بالفحم ومشتقاته أو ارتداء ثياب معينة أنتهت بإنتهاء المجتمعات البدائية، اللهم إلا تلك التى مازالت موجودة فى أحراش الغابات ، والملفت فى تلك النقطة أن هذا المجتمع نفسه يتخفى لاهثا خلف اللاتى يدعى أنحرافهن ,
وأخيرا نوعا أخر من القولبة معيار النجاح يتوقف على درجات دراسية لا يستطع أن يحصل عليها الغالبية فالجدير بالذكر أن المجتمع الذى لا يستطع منه سوى نسبة 30% -وهذه نسبة مبالغ فيها ولكنها على أكبر تقدير- الحصول على درجة دراسية يعتبرها هو معياره وأن ماعداها فاشلا ، فهو بذلك يحكم على 70% من أبنائه بالفشل ، وتحديد مهن معينة تحذو على الأحترام وما عداها لا ينال هذا الشرف مع أن هذا المجتمع لو ألغى المهن التى يحتقرها لسقط فورا وإنهارأو صار أعرجاً يستورد حاجته منها ، فهو يحتقر ذاته بذاته ،.
أن تنميط الحياة لا شك يجعل مننا مسوخاً لا نشبه بعض سوى فى تلك الصفات الشاذة الغريبة التى تنتج عن كبت أى أبداع بشري بداخلنا او بأكثر دقة ممارسة حالة من النفى إتجاه كل ما هو مختلف غير مألوف وما أسوء من نفي الانسان بداخل نفسه.
إن كان قولبة الأنسان وفكره هى الخطوة الاولى فى جعله فاقد لنفسه لا يعرف له انتماء فإن التجمد والبرود هو الخطوة الثانية ،والأخطر ربما يكن البرود فى أول الامر نابع من الغضب الصامت ولكن أن يستلذه الأنسان وينتهجه أتجاه العواصف التى تجتاح النفس بأن تهجر عالما لا تنتمى اليه هى الطامة ،هذا التجمد والبرود الذى يعتبره المجتمع أنتصارا على أندفاع المرأة او الأنسان عامة الرافض للقولبة أو توبة ربما عودة للرشد ،ولكنه بمثابة قبلة الوداع لأى أبداع وتميز ،الأمر الذى ينعكس بدوره على مشاعرنا اتجاه العالم اى مشاعر حب جنس رغبة امومة صداقة تبدو تلك المسميات جميعها مجرد تعريفات لعدة أفعال لها نص لا يجب الخروج عنه ابدا ونبدو نحن آلات ممنهجة وفاترة وروتينية فارغة من الداخل وتبحث طيلة الوقت عن أجابة لسؤال طالما شغل بالها ” من أنا ” ؟
تعليقاتكم