تشكل مرحلة المسلمين في الأندلس إحدى أهم الفصول التي شغلت حيز التاريخ الإسلامي منذ بدء تحرك الجيوش إلى هناك لأسباب دينية واقتصادية وسياسية في كلا الدولتين “دولة الإسلام التي يقودها بني أمية” و”دولة القوط التي يتملكها لذريق” .
غير أن هناك أشياءاً عرفناها من خلال الدراما التاريخية وكتب المدارس بشأن تلك الفترة، غير أن طريقة التناول جعلت الحقيقة التاريخية بعيدةً عن الحقيقة.
ـ نهاية لذريق .. الحقيقة والمشهور
كثير من الكتب العربية توضح أن لذريق قُتِل في معركة وادي لكة ومنهم من يرى أنه غرق في المُستنقع أثناء هربه، واستدلوا على ذلك بالعثور على فرسه الأبيض وأحد نعليه يطفو فوق الطين الأسود .
وبعض المؤرخين يرون أنه قُتِل في معركة شذونة مع المسلمين، إلا أن عدم العثور على جثته أثار القصص والأساطير المنسوجة حوله طيلة قرون في الأندلس وتضاربت الآراء حول مصيره الفعلي، فظهرت في الممالك المسيحية التي لم تخضع للمُسلمين الملاحم التي ظل الناس يتناقلونها على مدى أجيال، وفحواها أنَّ لُذريق سيعود لِتخليص البلاد من أيدي المُسلمين.
إلا إنَّ إحدى المخطوطات القوطيَّة العائدة إلى القرن التاسع الميلاديّ تقول بأنَّهُ عُثر في قرية “إقطانية البرتغالية” وله شاهد قبر نُقش عليه عبارة هنا يرقد لذريق، ملك القوط” .
ويؤكد هذا الرأي المؤرخ إدوارد آرثر تومبسون ، في كتابه “ملوك القوط في إسبانيا” حيث يرى أن لُذريق أمضى أيامه الأخيرة متخفيا إلى أن وافته المنيَّة .
ـ حرق السفن .. أكذوبة العاجز
بعض المؤرخين العرب، حكوا أن طارق بن زياد لما عبر الضفة الأخرى من شاطئ إسبانيا، وحتى يمنع تسرب التردد في نفوس جنده، حرق السفن وخطب فيهم ليحفذ همتهم.
المراجع التي تذكر هذه الواقعة من المؤرخين العرب، أبرزها كتاب الاكتفاء لابن الكردبوس ، وكتاب نزهة المشتاق للشريف الإدريسي ، وكتاب الروض المعطار للحميري .
لكن تناول المؤرخين الثلاثة للدوافع كان مختلفاً، فالمؤرخ بن الكردبوس لا يذكر السبب، بينما الإدريسي والحميري يجعلان عدم ثقة العرب في البربر الذين يمثلهم طارق بن زياد، هو الدافع لحرق السفن حتى يضمن ولاء العرب ويمنع تمردهم.
وحقيقة هذه المسألة تاريخياً أنها غير صحيحة، لأن طارق بن زياد لا يتسم بالسذاجة، فحرق السفن يعني نهاية وسيلة النجاة وهو في أرض غير معلومة له، فضلاً عن أن السفن ليست ملكاً له وبالتالي فلابد من أخذ إذن دمشق في تصرف كهذا.
ووفق نفس المراجع فإن طارق بن زياد طلب المدد من موسى بن نصير، فأرسل له 5 آلاف مقاتل، وهنا تناقض فكيف تم نقل هذه الأعداد إذا كانت السُفِن قد حُرِقَت.
ولا يمكن أن توفر دولة بني أمية بإمكانياتها الاقتصادية في تلك الفترة سفناً لنقل آلاف المقاتلين.
حرق السفن لاقى إهتماماً من المؤرخين الأجانب، لعدم استطاعتهم تفسير انتصار إثني عشر ألفا أمام مائة ألف فارس، حيث ألمحوا إلى أن طارق بن زياد قام بإحراق السفن ليصل بالمسلمين إلى فكرة الاستماتة في القتال والهروب من الموت المحقق.
ـ خطبة طارق بن زياد .. كلام بن عم حديت
“أيها الناس أين المفر ؟ البحر من ورائكم و العدو من أمامكم و ليس لكم والله إلا الصدق والصبر ، واعلموا أنكم في هذه الجزيرة أضيع من الأيتام في مأدبة اللئام”.
جزء من خطبة ألقاها طارق بن زياد، وجاءت في غالبية المراجع مثل تاريخ عبدالملك بن حبيب، ونفح الطيب للمقري، ووفيات الأعيان لابن خلكان.
لكن هذه الخطبة غير صحيحة، فإتسامها بالسجع، ليس من أسلوب هذا العصر، فضلاً عن جملة “وقد انتخبكم الوليد بن عبد الملك من الأبطال عربانًا” ، والحقيقة أن موسى بن نصير هو الذي انتخب القادة.
كما أن طارق بن زياد وكل جنده، من البربر ولغتهم غير لغة هذه الخطبة ولم تكن لغتهم العربية قد وصلت لهذا المستوى العالي من البلاغة.
تعليقاتكم