وسط حملات التبشير التي نشطت في الهند، كان دور المحامي عبدالله يوسف علي مختلفاً، فذلك الرجل الهندي فضل ألا يحتك بالاحتلال البريطاني عن طريق أي شكل سياسي أو حقوقي، وإنما رأى أن يخدم الدين الإسلامي نفسه.
في بومباي الهندية ولأسرة شيعية متحولة للمذهب السني ولد عبدالله يوسف علي في 14 أبريل سنة 1872 م، والتحق بمدرسة أنجمان الهندية، ومنها لمدرسة التبشير في كلية ويلسون بمومباي.
تلقى تعليمًا دينيًا وأجاد التحدث باللغتين العربية والإنجليزية وسرعان ما حصل على درجة البكالوريوس في الآداب من الدرجة الأولى في الأدب الإنجليزي بجامعة بومباي في يناير عام 1891 ، وكان عمره 19 عامًا وحصل على منحة بومباي الدراسية للدراسة في جامعة كامبريدج في إنجلترا.
سافر عبدالله يوسف علي إلى انجلترا سنة 1891 م، لدراسة القانون في كلية سانت جون بجامعة كامبريدج، وبعد 4 سنوات عاد إلى الهند ونال الماجستير والدكتوراة في القانون، وفيما بعد عاد إلى بريطانيا في إجازة لمدة عامين وخلال هذه الفترة انتخب زميلا للجمعية الملكية للفنون والجمعية الملكية للآداب، واكتسب شهرة حين ألقى محاضرة في الجمعية الملكية للفنون في لندن عام 1906 ، نظمها معلمه السير جورج بيردوود.
مع وقوع الحرب العالمية الأولى كان عبدالله علي يوسف من أبرز المناصرين لفكرة مقاومة الاحتلال البريطاني، حيث كان من المؤيدين البارزين للمساهمة الهندية لمساعي الحلفاء في الحرب العالمية الأولى، وأبدى احتراماً لفكرة استقلال الهند مما جعل محمد إقبال يختاره لشغل منصب مدير الكلية الإسلامية في لاهور، الهند.
أبرز إنجازات عبدالله يوسف علي الفكرية هي ترجمته لمعاني القرآن الكريم في كتاب له أكثر من جزء، وكان هذا الإنجاز غير مسبب لغضب المؤسسات الإسلامية في الهند ولم يمنعها علماء المسلمين.
تنص الفتوى في حكم ترجمة معاني القرآن بأنه لا مانع شرعاً من ترجمة معاني القرآن الكريم إلى أي لغة أخرى بشرط أن يكون المترجم أميناً عالماً… بل إن ذلك مطلوب شرعاً لأن القرآن العظيم نزل للناس كلهم، وترجمة معانيه إلى لغاتهم مما يسهل وصوله إليهم واطلاعهم عليه.
وأما ترجمته الحرفية فلا تصح لأن الترجمة الحرفية معناها ذكر المرادف أو المقابل للفظ من اللغة الأخرى، وهذا ما لا يمكن في اللغة العربية مع غيرها لسعتها ووجود الكناية والاستعارة، وغير ذلك من أساليب البلاغة التي تختص بها العربية ويقل نظيرها في اللغات الأخرى، فإذا ترجم القرآن ترجمة حرفية تغير المعنى.
تبدو نقطة غامضة في سيرة عبدالله يوسف علي يذكرها خيزار همايون أنصاري المؤرخ الهندي وهي مسألة حب عبدالله يوسف علي للماسونية، حيث قال ” أُعْجَب عبدالله يوسف علي بالماسونية في الهند كطريقة من سد الفجوة العنصرية والاجتماعية ، وكان دفاعه عن نشر الفكر العقلاني والحداثي من خلال التعليم العلماني محاولات حقيقية لاستيعاب المجتمع البريطاني”.
لم تكن الحياة الزوجية لـ عبدالله يوسف علي مستقرة، حيث تزوج من تيريزا ماري شالدرز، وكانت مسيحية وعُقِد قرانهما في كنيسة القديس بطرس في بورنموث، وقد أثرت سفرياته المستمرة بين الهند وبريطانيا على أسرته لدرجة جعلت زوجته تنجب طفلاً غير شرعي فوقع الطلاق بينهما.
تزوج فيما بعد من جيرترود آن موبي، وعاشا في استقرار كبير رغم مضايقات أنجال زوجته الأولى، لدرجة جعلت عبدالله يوسف علي ذكر نجله الثاني أصغر بلوي بأنه غير مهذب واستهدف تشويه سمعتي.
رغم شهرة عبدالله يوسف علي في ترجمة معاني القرآن، لكنه كتب مؤلفاتٍ أخرى منها أساسيات الإسلام، شخصية الإنسان في الإسلام، وساهم أيضاً في فتح المسجد الثالث في أمريكا الشمالية وإثراء مكتبته.
في أواخر حياته عاش في عزلة تامة قضاها بين النادي الليبرالي في لندن، ونادي جمعية الكومنولث وعاش في فقر غير مبرر بسبب رصيده في البنوك، ثم أودع دار مسنين في تشيلسي وهناك تعرض لأزمة قلبية نُقِل على إثرها لمستفى سانت ستيفن في فولهام ومات هناك في 10 ديسمبر سنة 1953 م، ودُفِن في مقبرة المسلمين بحي ووكينغ البريطاني.
تعليقاتكم