يحلو لبعض الموسيقيين خصوصًا موزعي الموسيقى، أن يبرروا تأخر أو تعطل مسيرتهم الفنية بسبب ظهورهم في زمن “حميد الشاعري”، وأن الأبواب الفنية كانت موصده تمامًا أمام ظهور إبداعهم لسيطرة حميد على أغلب مطربي الصف الأول والثاني، وهي إشكالية لا يمكن إنكارها بالكامل، لكن الحقيقة التي لا شك فيها، هي أن حميد لم يكن وحده داخل سباق التوزيع الموسيقي بل كانت هناك أسماء أخرى شقت لنفسها طرقًا فنية ونجحت في مزاحمة حميد الشاعري بل وتفوقت عليه مرات عديدة.
لن أمل من تكرار فكرة أن حالة النوستالجيا التي تستثمر فيها الميديا حاليًا تم حصرها في حميد وموسيقى الجيل فقط، متجاهلة عن عمد أو دون قصد أسماء كثيرة بعضها لازال محافظًا على تواجده الفني حتى الأن، في ظل اختفاء حميد من الحياة الفنية مكتفيًا بأن يكون نجمًا للإعلانات التجارية أو ضيفًا متكررًا على تلك البرنامج التي تعيد إنتاج ما سبق بما يتفق مع مصالحها التجارية، ويبدو أن حملة الهجوم الشديدة التي طالته وقت ظهوره تحولت الأن لمحاولات لرد الاعتبار له رغم أنه لا يحتاج ذلك لكننا ندفع ثمنها الأن من ظهوره المتكرر الزائد عن الحد والحديث الذي لم ينته عن إبداعاته الفنية رغم أن فترة توهجه الفني لم تزد عن عشر سنوات متقطعة.
عندما يتم وضع حميد في مقارنة مع أحد من جيله من الموزعين لابد أن يتبادر إلى الذهن أسم واحد فقط هو “طارق مدكور” الذي استطاع أن يزاحم حميد في فترات كثيرة بل والتفوق عليه مرات عديدة ورغم أن حميد كانت أعماله ضعف أعمال مدكور تقريبًا لكن اهتمام مدكور بتطوير نفسه كان سببًا في تفوقه كثيرًا، بل ونجحت توزيعاته في أن تحل محل حميد وتنجح، قد يبرر البعض هذا النجاح في تشابه الإخراج الموسيقي بينهما حيث نفس إيقاع المقسوم الراقص ونفس الحليات بالإلكتريك جيتار لكن مدكور كان أفضل في الدخول الموسيقي وأكثر تماسكًا في اللزم الموسيقية .
“موعداني” محمد فؤاد توزيع طارق مدكور
“ايامنا” عمرو دياب توزيع حميد الشاعري
حميد ومدكور والبداية المختلفة لكليهما
تاريخيًا ظهر “حميد” الموزع قبل “مدكور” لكن ظهوره اقتصر على صوته فقط وفشلت أول توزيعاته في ألبوم “عيونها” في قصة معروفة للجميع، تحول حميد بعدها إلى فرقة يحي خليل التي وزعت ونفذت ألبوم “رحيل” ماعدا “وين أيامك وين” التي نجحت بشكل كبير مما جعل الشركة تعيده مرة أخرى لتوزيع ألبوماته، أما على مستوى السوق الغنائي فيسبقه “مدكور” في الدخول إلى الوسط الغنائي كموزع من بوابة المطرب الشاب وقتها “عمرو دياب” بتوصية من الأب الروحي له “فتحي سلامة” والذى رشحه وهو لازال ابن السادسة عشر ليستكمل بقية ألبوم عمرو “غني من قلبك” فظهرت توزيعات مدكور على أغنيات “ايش حال الشجرة” و “ياليلة” والأخيرة كانت من ألحانه أيضًا، لم يستمر مدكور في التعامل مع دياب الذي عاد لمحمد هلال في ألبوم “هلا هلا” ثم فتحي سلامة في ألبوم “خالصين”
أختلف الشكل الموسيقي لحميد مرات عديدة منذ البدايات أعتمد على اغنيات “ناصر المزداوي” وبعض الفرق الليبية وفرق المغرب العربي، كانت موسيقاه أبطأ وأهدى كثيرًا، تعتمد في صياغتها على أشكال موسيقية متعددة من الروك والجاز وكان يستخدم في تنفيذ موسيقاه اَلات موسيقية حية فنجد حضورًا قويَا للدرامز والجيتارات بأنواعها حتى صولوهات الكي بوردز كانت متماسكة وظل حميد لا يلجأ إلى استخدام المقسوم إلا في حدود ضيقة جدًا، على عكسه تمامًا بدأ مدكور في تنفيذ شكل جديد مستمدة روحه من “فتحي سلامة”
“سنين” غناء وتوزيع “حميد الشاعري”
“ايش حال الشجرة” عمرو دياب توزيع “طارق مدكور”
حميد والمزداوية وبداية موسيقى الجيل
بدأت أولى تجارب حميد التوزيعية صحبة الحاج أحمد منيب في ألبوم “مشتاقين” والذى رفع من أسهمه كثيرًا سرعان ما استثمر ذلك وبدأ لمعان أسم المزداوية كعلامة مميزة لفرقة حميد الشاعري وبدأ تدشين ما يعرف بموسيقى الجيل فظهر الاسم على ألبومات “مرسال” لعلاء عبد الخالق “عنيكي سلاح” لإبراهيم عبد القادر و”حكتبلك” لفارس الذي يعتبر واحد من أعظم ما وزع ونفذ “حميد” في تاريخه الفني .
“عدي” غناء “فارس” توزيع “حميد الشاعري”
نجح حميد في فرض أسمه على السوق الغنائي في ظل انشغال مدكور باستكمال دراسته الموسيقية، وأن هذا لم يمنع مدكور من ان يزاحمه في العديد من الألبومات مثل “بسمة” و”بنوته” لحنان بل وتفوق عليه فنيًا في ألبوم “أحمد الحجار” حنين بعد نجاح مدوي لأغنية “عود” والتي تعد أشهر أغنيات “أحمد الحجار” حتى الأن.
“عود” غناء “أحمد الحجار” توزيع “طارق مدكور”
انقلاب أم ثورة موسيقية؟
تغيرت الخريطة الفنية للموزعين الموسيقيين في عام 1988 بعد النجاح المدوي لألبومي “ميال” و ” لولاكي” والأخير وزعه حميد بالكامل مع أربعة أغنيات في ألبوم “ميال” والمصادفة الطريفة أن الأغنيات الأربعة لم يكن من ضمنها أغنية “ميال” أنجح أغنيات الألبوم، أشترك مدكور بأغنية واحدة فقط في ألبوم “ميال” وكان نصيب “فتحي سلامة” ثلاث أغنيات لكن النجاح كله ذهب ويا للعجب لحميد الشاعري، أثار ذلك غضب “سلامة” الذي قرر التفرغ إلى فرقته “شرقيات” مفسحًا الطريق أمام حميد الشاعري لكي يحتل السوق الغنائي بأكمله.
ليلة غناء “عمرو دياب” توزيع “طارق مدكور”
أول ما اقول غناء عمرو دياب لحن وتوزيع “حميد الشاعري”
في تلك الفترة كانت تثار عدة تساؤلات عن تعاملات الفنانين مع بعضهما البعض، ومن أهم تلك التساؤلات هي إحجام منير عن التعامل مع حميد الشاعري بعد النجاح الكبير الذي حققه ورغم أن منير كان أول من قدمه فنيًا في ألبوم “اتكلمي”
الطريق غناء “محمد منير” وألحان “حميد الشاعري”
بحسب ملاك شركة سونار في أحد الحوارات كانوا قد أتخذوا قرار بأن يبتعد حميد عن ألبومات منير لوجود فرقة يحي خليل على أن يتولى حميد توزيع ألبومات بقية المطربين، لكن بعد الانفصال عن الشركة كانت الفرصة متاحة وبحسب بعض المصادر التي أكدت أن منير كان لا يحبذ التعامل مع حميد في ظل النجاح المتوهج لأسباب عديدة أهمها الابتعاد عن سهام النقاد والتي كانت تصب غضبها على حميد وما يقدمه من موسيقى أيضًا مشروع منير الخاص جدًا والذى لن يحبذ منير أن يكتب على غلاف ألبومه “موسيقى الجيل” ففضل منير أن يبتعد عن الأمر برمته وأن كان يريد أن يقترب أكثر من الجمهور فوجد ضالته في “مدكور” العائد من أمريكا بعد دراسة الموسيقي بها .
استعان “منير” بمدكور في ألبوم شيكولاته في أغنيتين “مش جريء” و” العمارة” ووضح أسلوب مدكور المعتمد على أوركسترا الفرد الواحد بعزفه المتمكن على الكي بورد وإعطاء لنفسه الفرصة لكي يبرز إمكانياته بالارتجال في العزف داخل الأغنيات.
مش جريء غناء “محمد منير” توزيع” طارق مدكور
نجح مدكور في الاختبار مما جعل منير يضع ثقته فيه في الألبوم التالي “إسكندرية” بتوزيع خمس أغنيات مرة واحدة، ثم كانت التجربة الأهم مع منير في رأيي في إعادة توزيع بعض الأغنيات القديمة في ألبومي “مشوار1و2”
تعالى نلضم أسامينا غناء “محمد منير” توزيع “طارق مدكور”
في الوقت الذي كان “مدكور” يصنع لنفسه مسيرة مهمة كان أسم حميد يطبع على أغلفة الألبومات إلى جانب المطرب أي كان أسمه لضمانة تسويق الألبوم تجاريًا.
حميد لم يكن يريد ترك بصمة بقدر ما كان يريد إغاظة مهاجميه فكان يصنع موسيقي استهلاكية دون أي تجويد ويكفي أن نقول أن هناك ألبومات كانت كلها تشبه بعضها فقط ما يختلف فيها هو صوت المطرب، حتى مطربي موسيقى الجيل كانوا يجتمعون داخل الأستوديو لا يعرفون من سيسجل موسيقاه أولًا لازدحام جدول حميد الشاعري، في الوقت الذى كان مدكور يبني لنفسه أسلوبًا يحافظ على الشكل القريب من الجمهور ولكن أكثر جودة من ناحية اللزم الموسيقية والهارمونيات وبدأ مدكور منافسة حقيقية لحميد الذى كان يوزع ألبومات “عمرو دياب” في الوقت الذى كان يوزع مدكور ألبومات المنافس الأول له “محمد فؤاد” وكانت النجومية والنجاح تتبادل بينهما، لكن النجاح الأهم لمدكور كان مع صوت “علاء عبد الخالق ” الذي بدأ اللمعان مع حميد ونجح مدكور في وضع بصمته على ألبومي “هتعرفيني”و” أتغيرتي” ونجح في اكتساح السوق بأغنية “داري رموشك” والتي نجحت نجاحًا مدهشًا.
داري رموشك غناء “علاء عبد الخالق” توزيع “طارق مدكور”
في الجزء الثاني إيقاف حميد عن العمل، وتخلي بعض مطربي موسيقي الجيل عنه ولجوء بعضهم إلي مدكور ثم العودة مرة أخري لاكتساح السوق مع عمرو دياب ثم الخروج إلى الوطن العربي لاكتشاف أصوات أخري.
تعليقاتكم