ينساب سحر الغناء والموسيقى من موهبة حقيقية وصوت صادق وقلب يعتبر الموسيقى لغته الأولى، هؤلاء من عبروا إلى حلمهم بالتحلي بالصبر ومقاومة كل صعب بمجهود الرسل وكفاح أصحاب الرسالات والقضايا الهامة.
بحي باب الواد الشعبي بالجزائر ولدت فتاة بملامح عربية عام 1972، لم يعرف أهل حيها أن هذه الفتاة الجميلة ستصبح بهذه الشهرة يومًا والتي ولدت وسط أسرة عُرفت بحب الموسيقى والانتماء لأصلها الأمازيغي وهويتها العربية، إنها المطربة المتميزة “سعاد ماسي”.
تتعجب عندما تسمع أنها أحيت حفلة بواشنطن معظم حضورها كانوا من الأمريكان، فهي المغنية التي يتجمع حولها العربي والفرنسي والأمريكي ويشاركون بعضهم هذا التطهير الروحي عن طريق أغانيها المختلفة، فقط صوتها الفريد الذي يجعل أكثر من شخص بجنسية مُختلفة يبحث عن أغانيها وربما يسافر من بلد إلى بلد لحضور حفلاتها.
يجتمع حول سعاد ماسي هؤلاء جميعًا لأنها تتبنى مشروعًا واضحَا لا تستطيع مقارنته بمشاريع لمطربات أخريات، فهي تتبنى قضايا بعينها عن الحرية بمفهومها الشامل، وحرية المرأة تحديدًا، وعن الهوية العربية والأمازيغية التي ترجع أصولها لها بألحان غربية، ولعل القبائل الأمازيغية نفسها تجمع بين أكثر من جنسية ومنها المصرية، فهي تمتد من سيوة وحتى الجزائر.
لا يفارقها جيتارها الذي تعزف به ألحانًا متجانسة بين العربي والغربي، وهي التي انضمت في صغرها لفرقة روك أند رول جزائيرية وتأثرت بها في أغانيها، فمع سعاد تستطيع الاستماع إلى ألحانٍ متنوعة أقرب للبوب أحيانًا وتارة للروك أن رول والألحان الجزائيرية والشرقية التي بطلها العود أيضًا كما في أغنية “دنيا وزمن”.
في التسعينات لاقت أغانيها صدى طيب وأذاعت لها القنوات الجزائيرية أحد الكليبات المصورة، ولكن يعد ألبوم “راوي” عام 2001 انطلاقتها الحقيقية ووصلها لقلب المجتمع الفرنسي والأوربي واستحسان النقاد، والذي حقق لها شهرة بفرنسا ودول غربية أخرى ويعد إنطلاقتها الأولى هناك.
احكيلي على ألف ليلة وليلة
ولونجة بنت الغولة
وعلى وليد السطان
حجيتك ما جيتك..وديني بعيد عن هاذ الدنيا
كل واحد بقلبه حكاية..كل واحد بقلبه حكاية
تستشعر في كلمات أغاني هذا الألبوم مثل نكره القلب، راوي، وراني رايحة، عن هذه المشاعر بالاغتراب والفراق، فهي تغني براوي على سبيل المثال عن قصص التراث والحنين إلى الماضي، وراني رايحة تتحدث عن السفر وكأنها تحكي عن رحلتها للسفر إلى فرنسا بعد الصراعات التي حدثت بالجزائر في التسعينيات، وبأغنية نكره عن قسوة الفراق .
رني رايحة ما نولي
ما تزيد شوف خيالي
من غدوة نهاجر لبلاد بعيدة
تفكر واش كنت نقولك
بلاك كي نروح نخدملك
من غدوة نقلب صفحة جديدة
كان لسعاد ماسي ألبومًا آخر بعنوان “داب” عام 2003 و أشهر أغانيه هي الأغنية التي يطلبها جمهورها منها بحفلاتها “غير أنت” واشتهر لألبوم بأغان رومانسية وألحان ناعمة مثل، قلبي، بنكدب، وتدور جميعها حول التعبير عن حجم الجراح بعد التجارب العاطفية الفاشلة والمشاعر المتضاربة بعد الفراق والتعبير عن الحب، وتغني فيه سعاد ماسي أيضًا باللغة الانجليزية، وتعرف سعاد بتحكمها في الغناء بأكثر من لغة كالإنجليزية والفرنسية كما غنت بألبوم “حرية” عام 2010 عددًا من الأغنيات بهذه اللغات.
لكن لم يكن بنجاح ألبوم “مسك الليل” عام 2005 ولعل أكثر ما يميز هذا الألبوم أغنية “هاد ولا أكتر” التي تحكي فيه عن معاناتها مع الغربة والتغيرات التي يمكن أن تلحق بما يترك الإنسان وراءه ويتغير بعد رجوعه، وكذلك أغنية “مسك الليل” التي تتكلم فيها عن الغربة من جديد والحنين لرائحة مسك الليل وتراب الوطن، فتعتبر سعاد ماسي من المغنيات الاتي اتخذن هذا اللون “النوستالجي” الذي يصل لأرواح مرهفي الحس المرضى بالحنين لأشياء كثيرة من الحب والوطن والأماكن وحتى المستقبل والمجهول!
ألبوم المتكلمون عام 2015 يعد ألبومها الخامس بعد ألبوم “حرية” والذي كان عام 2010 ، ويمكننا أن نعتبر هذا الألبوم امتدادًا لمشروعها منذ هذا العام والذي تغنت فيه وقتها عن حرية المرأة والمشاكل التي تواجهنا بمجتمعنا العربي، هذه الفتاة حبيسة المنزل فقط لكونها امرأة والتفرقة في المعاملة بين المرأة والرجل بأغنية “سميرة مسكينة”.
وظهرت سعاد ماسي الثورية بألبوم متكلمون عام 2015 وهو ألبومها الأخير الذي امتاز بغنائها فيه قصائد معروفة من الشعر القديم وحتى الحديث فتغنت للمتنبي وقيس بن الملوح ولأحمد مطر وغيرهم ، وغنت هذه القصائد بالطبع باللغة العربية فكان الألبوم كإعادة إحياء لهذه القصائد و هويتنا العربية، وتؤكد على معان الحرية التي يطالب بها الشباب بعد ثورات الربيع العربي.
ولم تكن هذه هي تجربتها الأولى في هذا اللون من الغناء، فبألبومها الأول “راوي” غنت فيه أغنية بلادي التي تتماشى مع نفس هذا اللون من الوطنية والثورية، وأنجح أغاني ألبومها الأخير قصيدة حرية التي غنتها لأحمد مطر.
أخبرنا أستاذي يومًا عن شىء يدعى الحرية
فسألت الأستاذ بلطف أن يتكلم بالعربية
هل هي مصطلح يوناني عن بعض الحقب الزمنية؟
أم أشياء نستوردها أم مصنوعات وطنية؟
تتميز سعاد ماسي ليس فقط بنوعية الأغنيات التي تقدمها والموسيقى المتنوعة بين العربي والغربي والتجانس بين الإثنين، ولكن في التحكم في صوتها ليتماشى مع لون الموسيقى الذي تغنيه وحالة الأغنية، فتجدها تقلد صوت طالبة في تساؤلها ببداية أغنية “الحرية” وتعود لتقلد الأستاذ في الإجابة عن التساؤلات، فهي تغني بإحساسها دائمًا لتصل لقلب المستمع وتتقمص هذه الشخصيات وهي تغني وتتفاعل مع جمهورها بنشاط شبابي بكل حفلاتها حتى تعلن البهجة عن حضورها رغمًا عنها مع هذا الأداء المختلف.
سعاد ماسي واللهجة المصرية
أغنية “أجمل ما عندي” التي غنتها مع أمير عيد بفرقة “كاريوكي” من تأليف الكاتب عمر طاهر، جاءت بلهجة مصرية ولكنة جزائيرية خفيفة، وكانت سببًا من أسباب شهرتها بمصر.
عندي قمر بسهر معاه
عندي معاد وحبيبي لغاه
عندي حضن يساع الكون..ريقي نشف والحب رواه
وأجمل ما عندي إيمان بالله..ونقول يارب تكون في العون
وقد فاجئت سعاد ماسي جمهورها عام 2017 بإحدى الحفلات بمصر بأغنية جديدة باللهجة المصرية “سلام” من كلمات الشاعر نادر عبد الله ولحن خالد عز أسعدت الجمهور المصري.
سعاد ماسي والتمثيل
كانت مفاجأة فيلم المخرجة الفلسطينية نجوى النجار “عيون الحرامية” تقديمها سعاد ماسي الممثلة التي فاجئت الجميع بأداء جيد بجانب غنائها لثلاث أغنيات ، والفيلم يعتبر مصري فلسطيني بطولة خالد أبو النجا ويحكي عن معاناة الشعب الفلسطيني وقصة “طارق” الذي سيخرج من سجون الاحتلال بعد سنوات عدة ليصطدم بالتغيرات التي حلت بعد سجنه.
سعاد ماسي صاحبة أهم المشروعات الحالية لمطربة موهوبة في التلحين والتأليف والتمثيل أيضًا وتعرف كيف تصل لقلب المستمع أيًا كانت لغتة ولهجته، تتبنى حسب قولها دائمًا قضايا الحب والحرية وإحياء هويتنا العربية.
جاءت من أسرة محافظة حسب قولها تحافظ دائمًا على هويتها العربية، فتقول بإحدى اللقاءات التلفزيونية أنها ستستمر في التعبير عن هويتها العربية والجزائرية والإسلامية والغناء ببساطة بجيتارها الذي لا تستغنى عنه بجميع الحفلات وزيها البسيط غير المتكلف الذي لن تسغنى عنه هو الآخر لأنه يشبه عائلتها ومستمعيها وهذا سر عشق جمهورها لها، أنها موهوبة وصادقة تغني بصوتها وصوت أحلامنا وأوجاعنا وحنينا لكل جميل.
تعليقاتكم