كان أكثرهم موهبه وحبا للحياة وجنونا، ذلك العالم الذي يحرم العقلاء من المتعة ويتيح للمجانين المحبين للحياة كل الفرص الممكنة حتى ولو لوقت قليل، ربما لم نعرفه في مصر كما عرفنا أخرون، ربما لم يستقر طويلا على قمة الهرم وغاب طويلا، وربما كان مجرد حلم موسيقى جميل عشقته، ربما كان الكثير ولكنه يظل رشيد طه صاحب الصوت الجامح المحب للحياة.
لم اقابله بالطبع، ولكنه كان معي دائما معي، البداية مع بدأ ارسال القنوات الخاصة على يد احمد بهجت وقناة دريم وذلك الإعلان المحفوظ عن دريم لاند، في البداية جذبتني الموسيقى، لأبدأ رحلة البحث عن أصلها إلى الوصول إلى صوت رشيد طه وهو يغني ” يا رايح وين مسافر” صحيح أنني بعد ذلك وصلت إلى دحمان الحراشي المغني الأصلي للأغنية ولكنني تعلقت بصوت رشيد.
كل هذا الجموح والغضب والاعتراض الخارج من حنجرة ذلك الشاب، الوحيد الذي لم يكن يسبق اسمه شاب فكان هناك الشاب خالد والشاب مامي والشاب فضيل “فترة” قبل أن يتخلى فضيل عن كلمة ” شاب” ولكنه كان من البداية وحتى النهاية رشيد طه.
الخروج من بلدتي الصحراوية إلى أقرب بلد مجاور يستغرق ما يقرب 4 ساعات حتى تصل إلى أقرب محافظة، وكان دائما رشيد متواجد في تلك الرحلات يسأل سؤاله المتردد دائما يا رايح وين مسافر؟ اسمعه دوما في كل رحلة سفر، بدأت في النبش عن اغانيه أغنيه تلو الأخرى حتى استمعت لكل ما غناه رشيد طه تقريبا ولكنني أغرمت بموسيقى اغنية ida أكثر من غيرها، تلك الأغنية التي تحمل جانبي العالم بين جملها الموسيقية، وتحمل جنونه وجنون رشيد وحبه للحياة.
لم أرى مطربا محبا للحياة كما رأيت رشيد وهو على المسرح يغني ida ويمازح الجمهور تارة ويمازح فرقته تارة ويمازح قارعي الطبول تارة، كأنه ساحر يلقي بتعاويذ مختلفة على الجميع، تعاويذ تجعلهم يتمسكون بالحياة، تعاويذ من الجموح والجنون والموسيقى، تعاويذ يمتلكها وحده دون غيره.
حينما شاهدت لأول مره تلك الحفلة الشهيرة التي قدمها مع الشاب خالد وفضيل، بالطبع كان الشاب خالد هو الأشهر أو هكذا كنت أتوقع ولكن فجأة يدخل رشيد بصوته المختلف واداءه وذلك الوهج المصاحب، شهاب يقف على المسرح يخطف القلوب قبل الأبصار، هو الأكثر حضورا وجرأة وتفاعل مع الجمهور، هو الأكثر حياة.
للحظات لم استوعب ما يحدث ولكنني فهمت بعد ذلك، كل ما فعله الشاب خالد وفضيل هو محاولة للحاق بذلك الشهاب المجاور لهم كأنما يحاولون أن يظهروا معه في الصورة، انه موسيقى لا يمكن السيطرة عليها، ومطرب خارج النوتة والإيقاع، رجل يفعل فعلا ما يحب ويرضى ضربا بعرض الحائط لكل الحسابات الممكنة وغير الممكنة التي من الوارد أن تدور في ذهن شخص مثله، فما كان من خالد أو فضيل إلا الابتسام لما يفعله رشيد لأنه لا سبيل لمجاراته أو السيطرة عليه.
رشيد هو المساحة التي كنت أذهب إليها، أشبه بذلك الحلم الذي تتمناه وتنتظره، صرخات موسيقية متوالية تطلقها حنجرته في جمل شبيه بجمل الاعتراض، أو ربما هي جمل اعتراضيه ضلت طريقه فخرجت في شكل موسيقى، تلك الطاقة التي لا تنضب ولا تنتهي ولا تجعله يتوقف عن التفاعل مع الموسيقى، هو فعلا يحب ما يفعل ولا يفعل سوى ما يريد ويحبه رشيد طه كان الحياة التي يجب أن تكون.
يا رايح وين مسافر؟ سؤاله الذي يظل مطروحا على أي طريق سفر مادي أو معنوي، ولكنني الأن أوجه هذا السؤال لرشيد نفسه؟ إلى اين أنت ذاهب بكل هذا الجموح والحياة والموسيقى لتتركنا الأن ونحن في أمس الحاجة لم يجعلنا نتمسك بالحياة أكثر، في أمس الحاجة لتلك التعاويذ التي تلقيها علينا من خلال اغانيك واداءك وحبك للحياة، رشيد يا رايح وين مسافر؟
تعليقاتكم