جاء إنشاء دار الأوبرا القديمة ارتباطا وثيقا بافتتاح قناة السويس في عهد الخديوي إسماعيل الذى كان شغوفا بالفنون ولذلك سميت بالأوبرا الخديوية، وتم اختيار مكان الأوبرا الخديوية بحيث تتوسط أهم أحياء القاهرة في ذلك الحين هما حي الأزبكية وحي الإسماعيلية، ولحب الخديوي إسماعيل للفن أراد أن تكون دار الأوبرا الخديوية تحفة معمارية لا تقل عن غيرها في العالم.
كُلِّف المهندسين الإيطاليين “أفوسكاني” و “روسي” بوضع تصميم لها يراعى فيه الدقه الفنية والروعه المعمارية فعملا على توفير الرؤية الجيدة من مختلف زوايا “البنورات” ووضوح الصوت، واهتم الخديوي إسماعيل بالزخارف فاستعان بعدد كبير من الرسامين والمثالين والمصورين لتزيين الأوبرا وتجميلها فزخرفت المبانى والبنورات على غرار رسوم عصر الروكوكو والباروك الفاخرة والفائق الفخامة، حيث طلب مارييت باشا من الخديوي اختيار قصة من صفحات التاريخ المصرى القديم تصلح نواة لمسرحية شعرية وقد قام بنظم شعرها الشاعر الايطالى “جيالا نزوق”.
كلف الخديوي إسماعيل الموسيقار جيوسپي ڤردى بوضع موسيقاها الرفيعة فكانت الأوبرا الخالدة عايدة بموضوعها الوطني المصرى وأغانيها الجياشة وموسيقاها الرائعة من نتاج العبقريات الثلاث وقد كافأ الخديوي إسماعيل فردى على عمله بمائة وخمسين ألف فرانك ذهبي.
استغرق تشييد الأوبرا الخديوية ستة أشهر وتكلف بناؤها مليون وستمائة ألف جنيه، وتم افتتاحها في الأول من نوفمبر سنة 1869 مع احتفالات قناة السويس وقد كان بصحبة الخديوي إسماعيل في حفل الافتتاح الإمبراطورة أوجيني دي مونتيخو، زوجة الإمبراطور نابليون الثالث و الإمبراطور فرانسو جوزيف عاهل النمسا وولي عهد بروسيا وبعض العظماء وأقطاب السياسة والفكر والفن من أنحاء أوروبا حيث حضروا خصيصا لحضور حفل افتتاح قناة السويس وافتتاح الأوبرا الخديوية.
رغم اهتمام الخديوي إسماعيل ورغبته الأكيدة في أن تُفتتح دار الأوبرا الخديوية بعرض أوبرا عايدة التي لم يبخل بمال أو جهد لإخراج أوبرا عايدة في أبهى صورة وفي الموعد المحدد رغم ذلك كله حالت الظروف دون تقديمها في موعد الافتتاح ومثلت بعد الافتتاح بعامين في 24 ديسمبر 1871 وتم افتتاح الأوبرا الخديوية بعرض ريگوليتو التي وضع موسيقاها ڤردي أيضا واحتراما للشخصيات الهامة التي حضرت الافتتاح حرص الفنانون على تقديم العرض بمجوهرات حقيقية.
وفي فجر الثامن والعشرين من أكتوبر 1971 احترقت دار الأوبرا المصرية القديمة بأبهتها وعظمتها وكانت الاخشاب المستخدمة في بناؤها بالكامل من عوامل سرعة انتشار النيران وعدم إمكانية السيطرة عليها فلم يتبق من تحف الأوبرا القديمة سوى تمثال الرخاء ونهضة الفنون وهما من عمل الفنان محمد حسن، أما أرض المبنى فتحول إلى جراج سيارات.
تعليقاتكم