في حب داود عبد السيد
***
يتحسس “شريف المرجوشي” خطواته حريصا على عدم إصدار أي صوت وهو يقترب من تلك الشقة التي قرر سرقتها في الأسكندرية، تضايقه عينه العاجزة عند محاولة استخدام “الطفاشة” لفتح الباب يسب “سليم” في سره، ثم يبتسم مع استسلام “الكالون”، يفتح الباب بهدوء وهو يقول
– بسم الله الرحمن الرحيم
يتأمل اثاث الشقة الراقي الذي ترك الزمن عليه اثاره، صالون “كلاسيك” ذهبي ينتمي لسبعينيات القرن الماضي، ومجموعة من الوسائد العربية ملقاة على الأرض بإهمال وحولها مجموعة كبيرة من الكتب المفتوحة والمتناثرة بطريقة عجيبة، يقترب بهدوء ويمسك أحدها قائلا في سره
– كتب تاني، هو أنا موعود
يعود إلى صالة المنزل التي احتلتها منضدة “سفرة” قديمة متجها إلى تلك “الطرقة” المفضية إلى شباك يطل على البحر، يلقي نظرة خاطفة متأملا أضواء السيارات المارة على الكورنيش والتي انعكست على الزجاج “الموارب” لشباك تلك الطرقة.
يفتح باب غرفة النوم بهدوء شديد يفاجئه جسد الشاب النائم على فراشه باستغراق عميق، يرتد خطوة للخلف مفزوعا وهو يقول في نفسه
– جه امتى ده أنا بقالي يومين مراقب الشقة من ساعة ما راح يصطاد ومرجعش
يعيد تأمل ملامح النائم ذو البشرة السمراء والشعر المجعد والوجه الدائري، تدهشه تلك الإبتسامة العجيبة على وجهه، يقترب من الفراش بهدوء، تخبره أنفاس النائم الهادئة الرتيبة المنتظمة أن صاحبها غارق تماما في نومه، يلقي نظرة سريعة على الغرفة بحثا عما غلا ثمنه وخف وزنه، فلا يجد سوى جهاز “كاسيت” مزدوج، يحمله في هدوء ويغادر الغرفة بحرص شديد مغلقا الباب خلفه.
يعود إلى الصالون ليفتش ملابس صاحب الشقة المعلقة على بعض المقاعد بحثا عن النقود، يتعثر في كتاب كبير بلغة لم يرها من قبل، يسقط على الأرض محدثا ضجة عجز عن تلافيها، يجد جوار رأسه زجاجة بداخلها ورقة ملفوفة، يسب نفسه ويعيد سب الكتب، ثم يستعيذ بالله محاولا النهوض قبل أن يستيقظ صاحب الشقة.
وقبل أن يقف على قدميه يجد الشاب ممسكا بكتفه وعلى وجهه ملامح غضب شديد، شعر المرجوشي أن حتى عينه العاجزة شعرت به.
تحدث الشاب “متهتها” بطريقة أدهشت اللص
– أنت بتسرق إيه ياحمار، مفيش حاجة في الشقة
ثم التفت إلى جهاز “الكاسيت” الملقى بجوار اللص الواقع على الأرض، وأكمل بنفس التهتهة مشيرا إلى الجهاز
– وإيه اللي جاب الكاسيت ده هنا، انا رميته امبارح بره
يزيح شريف المرجوشي يدا الشاب التي ارتخت بفعل الإشارة ويقول وهو يحاول النهوض
– وحد الله يا عم، ده كان في أوضتك، انت تلاقيك استغفر الله كنت شارب، أنت اسمك إيه
– يحيى، وعلى فكرة نا معييش غير 10 جنيه، لو عايزها خدها
التقط المرجوشي الزجاجة التي تحوي الرسالة وهو يقول
– لا ياعم أنا راجل أعرف ربنا برضو
قاطعه يحيى مختطفا الزجاجة
– مالكش دعوة بدي
– هي إيه دي
– رسالة بلغة مش معروفة لقيتها جاية من البحر
واشار إلى الكتب المتناثرة قائلا
– وحاولت اترجمها بكل اللغات دي ، وسألت ناس من حنسيات مختلفة وبرضو ملقتش حد عارف
جلس شريف على المقعد الاقرب له بهدوء تعجب له هو نفسه وهو يقول
– أنا مش بعرف اقرا القرأن بس بمجرد ما بسمعه بفهمه
جلس يحي بجواره وهو يخرج الورقة من الزجاجة قائلا
– بس كمان محدش عارف يقراها
ثم فردها امام اللص شريف المرجوشي الذي مال براسه حتى تواجه عينه السليمة تلك الرسالة رغم عجزه عن القراءة ثم قال وهو يشيح براسه
– قطعها يا يحي، دي مش بادئة ببسم الله الرحمن الرحيم، أنا مبعرفش أقرا بس عارف شكلها
التصق يحيى خائفا بيد المقعد مبتعدا قدر الإمكان عن شريف وهو يقول
– أنت حمار مش فاهم حاجة
نهض شريف المرجوشي مغادرا الشقة وهو يقول
– كلام ربنا لما بعته الناس مفهمتوش وكفرت بيه، وبعد كده أمنت
تأمل يحيى الرسالة بشغف شديد متجاهلا كلام المرجوشي الذي فتح باب الشقة
– وخد بالك أنا راجع تاني، وحسرق الرسالة دي وححرقها، واسيبلك مكانها مصحف يمكن تفهم
ومع صوت قفل الباب كان يحيى وللمرة الأولى يدرك معنى الرسالة وفحواها.
الشخصيات
شريف المرجوشي – فيلم «مواطن ومخبر وحرامي» – شعبان عبدالرحيم
يحيى – فيلم «رسائل البحر» – آسر ياسين
سيناريو تخيلي لأبطال أفلام داود عبد السيد
تعليقاتكم