أجيال كثيرة نشأت على أن الوهابية ظهرت في مصر بدأ مع سبعينيات القرن الماضي مع عصر الرئيس السادات بسياستي الانفتاح و دولة العلم والإيمان.
أدت سياسة الانفتاح إلى تدفق رأس المال الخليجي رغم المقاطعة، وأدت سياسة دولة العلم و الإيمان إلى تمكين كل الموارد المصرية في استقبال الفكر الوهابي عن طريق نشر الكتب وشرائط الكاسيت وغير ذلك .
لكن المتمعن في الشأن الديني للحركات الفكرية، فضلا عن المتابعة للشأن الفكري للدولة المصرية يجد تناقضاً غير مسبوق في تلك المعلومة .
ليس من المنطقي أن ثقافة عريقة كثقافة مصر التي نشأت على فكر ديني ومدني، طيلة مئات السنين، يتم مسخها في 6 سنوات أو حتى 60 سنة.
على المستوى الديني كان الأزهر بثقافته الصوفية في الأخلاق والأشعرية في العقيدة والمذهبية السنية في الفقه هو المصدر الأوحد للتعليم الديني المصري، فضلاً عن مواجهة الأزهر لرموز الفكر السلفي قبل أن يولد الوهابية أنفسهم ؛ لدرجة أن علماء الأزهر أنفسهم أصدروا فتوى بتفسيق بن تيمية ووجوب سجنه الأمر الذي تم في عصر الظاهر بيبرس.
ويزداد الأمر تناقضاً بعد مئات السنين، أن يتبنى الأزهر نفسه الفكر السلفي المتشدد في مناهجه المختلفة فكان لا بد من وقفة أمام هذا التناقض في تحديد البداية الحقيقة لنشأة الفكر الوهابي الذي لم ينتشر بالطريقة المعروفة لنا وهي الكتب وشرائط الكاسيت ونحو ذلك ، كل هذه وسائل ونتائج ، لكن الأصل غير ذلك.
المفاجأة العجيبة في تحديد النشأة الأولى للفكر الوهابي بمصر ، أنهم لم ينتشروا إلا في عصر محمد علي باشا ، وهذه من العجائب المحيرة في الموضوع .
فـ محمد علي باشا هو الذي أذل الوهابية طيلة 8 سنوات ، وتمكن من استئصال شأفة الدولة السعودية الأولى التي نشأت في الدرعية وقت أن كانت الأسرة السعودية تنتسب لـ آل مقرن قبل أن يكونوا آل سعود، وهو نفسه الذي تسبب في إرسال آخر ملوك الأسرة السعودية الأولى إلى الدولة العثمانية لإعدامه ، كذلك هو الذي تحكم في شبه الجزيرة العربية بعد أن أطاح بـ الهاشميين و الوهابيين و السعوديين بضربة واحدة.
في نفس الوقت كان السبب الرئيسي في نشأة الفكر الوهابي بمصر ، ولأن تفاصيل الحرب المصرية الوهابية تفاصيل مجهولة لم يتطرق لها أحد بإمعان ، فقد أغفل كثيرون مرحلة ما بعد الحرب التي بدأت سنة 1811 م وانتهت سنة 1818 م.
المتأمل جيداً لأسماء ضحايا الحرب الوهابية المصرية من أسرة محمد بن عبدالوهاب مؤسس الفكر الوهابي ، يجد أن مصير أسرته كان بالقتل على يد جيش محمد علي وجنده بقيادة إبراهيم باشا ، أو الأسر ، أو النفي، قُتِل 2000 من الوهابية ، وأصيب نصفهم ، وتم أسر خمسين شخصاً ، وهي خسارة قليلة مقارنة بما خسرته مصر وتركيا في الحرب حيث خسرت مصر وتركيا 11 ألف قتيل و 3 آلاف مصاب.
كان من تم أسرهم متنوعين على 3 أصناف ، فإما هم من أسرة سعود الكبير وقد انتهوا جميعاً بالقتل ، ومنهم من كان منفياً في بلاد أخرى على رأسها مصر وكلهم كانوا من أسرة محمد بن عبدالوهاب.
كان على رأس المنفيين إلى مصر عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب وهو من مواليد 1752 ووفيات عام 1827 م ، وكان هو المنظر الأول للفكر الوهابي من أنجال محمد بن عبدالوهاب.
وقد أنجب 3 أولاد وكلهم كانوا على نفس فكره ، قُتِل اثنين منهم في الحرب الوهابية المصرية ، أما الثالث فتم نفيه مع والده ، وهناك قضوا في سجن القلعة مدة ثم أطلق سراحهم.
ضيق محمد علي عليهم بعد الإفراج عنهم ولم يستطيعوا السفر لخارج مصر بل ماتوا فيها ، لكن قبل أن يموتوا نشأوا في الأزهر وتعلموا فيه ثم وصلوا لصدارة التدريس فيه.
تمكن عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب من مسخ التكوين الأزهري مسخًا تامًا، فأنشأوا في الأزهر رواقاً باسم رواق الحنابلة، ولم يكن في الأزهر منذ تأسيسه حتى ذلك التاريخ رواقا باسم الحنابلة وإنما كانت الأروقة بأسماء بلدان ساكنيها ، كرواق المغاربة ورواق الشراقوة ورواق المنايفة ورواق الأتراك.
وفي غضون 5 سنوات ولأول مرة منذ عصر المماليك تم تدريس كتب بن تيمية و كتابة مؤلفات عنه ، ربما من قبل ظهور الوهابية لكن الطبع للكتب كان بعد بداية نشر الفكر الوهابي نتيجة لهذا التصرف.
تجدر الإشارة إلى أن محمد علي باشا لم يكن مهتماً بالأزهر أصلاً ، وكانت صلاته بعلماء الأزهر منقطعة لتفرغه من أجل مشروعه وهو تأسيس مصر الحديثة.
لاحقاً لم تصل مستوى العلاقة بين الأسرة العلوية والشأن النجدي الوهابي لدرجة الإذلال ثم نشر الأفكار، بل تناولت أيضاً النسب، فقد تزوج عباس حلمي الأول، نجل محمد علي باشا، بنت سلطان نجد التي أنجب منها محمد إلهامي، وفرح الوهابيون بتلك الزيجة فرحًا كبيرًا وذلك وفق ما تذكره مجلة الصباح في عددها الصادر بتاريخ 20 يناير سنة 1938 م.
تعليقاتكم