في سنة 1963 م لم يشعر أحد بأخبار تنظيم سيد قطب لانشغالهم بعودة “أم كلثوم” للسينما عبر غنائها بفيلم “رابعة العدوية “، وكان سيد قطب قد بدأ في تشكيل خطوات تنظيمه حتى تم كشفه بعد نشأته بسنتين، وصار أحد المرجعيات الأساسية بالنسبة لجماعة الإخوان المسلمين وتصدرت أقواله كافة المنابر السياسية للإخوان لعل آخرهم اعتصامهم في منطقة رابعة العدوية، والذي قادهم سنة 2013 م إلى الهاوية.
في الرابع عشر من سبتمبر لعام 2013 م شهدت مدينة نصر واحدةً من أقوى عمليات الفض الأمني في مصر، وكانت منطقة رابعة العدوية هي المنطقة الثانية التي تم فضها بالتوازي مع منطقة النهضة، واقترن تاريخ رابعة بالإخوان، بعد أن كان اسمها مقروناً بواحدة من أكابر الزاهدات الصوفيات، وتحول اسمها بعد ذلك إلى نجاح حصدته نبيلة عبيد كوجه جديد في السينما المصرية حينما قامت ببطولة الشخصية في فيلم.
تقع منطقة رابعة في مدينة نصر واكتسبت هذا الاسم منذ العام 1993 م نتيجة للمسجد الذي تأسس على اسم الزاهدة الصوفية رابعة العدوية، وظل منذ العام 1993 م مسجداً مشهوراً لتشييع جنازات الشخصيات العامة قبل مسجدي مصطفى محمود وآل رشدان، ورغم أن شهرة المنطقة جاءت بقوة سنة 2013 م على يد جماعة الإخوان نتيجة لفض اعتصامهم ؛ لكن العلاقة بين الإخوان وتلك المنطقة أقدم من اسمها.
كانت منطقة رابعة جزءاً من صحراء مدينة نصر، وكانت مكاناً لمعسكرات التحقيق مع السياسيين والصحفيين وقيادات الإخوان في الستينيات، وكان الدخول لتلك المعسكرات معناه أن يتم شحنهم جميعاً إلى السجن الحربي الأول القريب من ميدان رابعة.
تفسر مذكرات مصطفى أمين سنة أولى سجن وصفاً قاتماً لمدينة نصر بمعسكرات التحقيق وويلات ما كان يجري في السجن الحربي، ورغم أنه لم يسم المكان الذي كان فيه معسكرات التحقيق لكنه تكلم عن مروره من شارع رابعة جاء عندما وصف التناقض الذي يجري مع الحقبة الناصرية التي اتجهت لتعمير صحراء حي شرق مدينة نصر وهو الحي الذي به منطقة رابعة الآن.
رابعة العدوية .. الفيلم الذي زيف التاريخ
أدت نبيلة عبيد في هذا الفيلم مشاهدها ببراعة، واستمر عماد حمدي في نمط شخصية البطل الطيب الذي يُقْتَل بسبب الحب وهو نفس الدور الذي أداه بفيلم واإسلاماه مع فريد شوقي الذي ظهر في رابعة، كما شهد الفيلم عودة الوجه الجديد للسينما عبدالله غيث بعد غياب عنها دام 3 سنوات .
وقع الفيلم في أخطاء تاريخية ما كان لها أي مبرر وعلى رأس تلك الأخطاء اللغة فهي لغة تشبه لغة البدو وليست لغة عربية، وظهرت شخصية رابعة العدوية كفتاة لاهية سكيرة عانت اليُتْم فلجأت إلى العربدة ثم تابت، لكن الحقيقة أنها نشأت متدينة وحفظت القرآن الكريم ونهلت من علوم الصوفية وصارت تكتب الشعر ثم لجأت إلى عزف الناي فترةً حتى انقطعت عنه نهائياً وظلت تتعبد حتى ماتت.
رابعة العدوية بين المغالين و المزورين
بداية الخطأ في سيرة رابعة العدوية، أن الغالبية لا يفرقون بين رابعة العدوية ورابعة الشامية ، لتشابه الأسماء.
كان المؤرخون القدامى من جيل الجاحظ مثلاً، يرمزون للشامية بحرف الباء بينما رابعة العدوية القيسية البصرية كانوا يرمزون لها بحرف الباء لكن بنقطتين.
فرابعة الشامية ماتت سنة 229 هجري والتقت الحسن البصري ، ودفنت برأس زيتا ببيت المقدس من جهة القبلة، أما رابعة العدوية فلم تلتق الحسن البصري ليجعلها تعرف العشق الإلهي لأن الحسن البصري مات سنة 110 هجري وكانت رابعة العدوية في ذلك الوقت تبلغ 10 سنوات، وعن صلة رابعة العدوية بذي النون المصري فهي لم تحدث كون أن الرجل مات سنة 245 هجري عن 60 سنة، أي وُلِد بعد وفاة رابعة العدوية بـ 5 سنوات.
مرارة اليتم والفقر التي عانت رابعة منهما جعلتها تلجأ إلى حضرات الدراويش حيث عزفت على الناي من أجل الاسترزاق ، ولم تتجه للغناء أو الرقص كما صور ذلك عبدالرحمن بدوي في كتابه شهيدة العشق الإلهي، لم تسلم رابعة العدوية أيضاً من مغالاة الصوفية لها حيث وصفوها بأوصاف تنافي العقل والقرآن وحكوا عنها حكايات من باب الكرامات تنسف أسساً دينية في الشريعة الإسلامية.
تعليقاتكم