يُعَدُّ عهد الخليفة المتوكل هو بداية عصر ضعف الدولة العباسية وانحلالها، والذي انتهى بسقوطها على أيدي التتار سنة 656هـ، ترجمته كما ذكر السيوطي في كتابه تاريخ الخلفاء هو أبو الفضل جعفر المتوكل على الله بن المعتصم بن الرشيد بن المهدي.
أمه كُنيتها أم ولد تركية اسمها “شجاع”، كان المتوكل مربوعًا أسمر خفيف شعر العارضين، وكان متمذهباً بمذهب الشافعي وهو أول من تمذهب له من الخلفاء.
انهمك في الفقه والسنة والعلم هو الذي أخرج أحمد بن حنبل من محنته، بويع له بعد الواثق، وبدأ عهده بداية موفقة، فقد أمر بإظهار السنة، والقضاء على مظاهر الفتنة التي نشأت عن القول بخلق القرآن.
كتب إلى كل أقاليم الدولة بهذا المعنى، ولم يكتف بهذا، بل استقدم المحدِّثين والعلماء إلى مدينة “سامرَّا” وطلب منهم أن يحدثوا بحديث أهل السنة لمحو كل أثر للقول بخَلْق القرآن، وراح العلماء يتصدون لإحقاق الحق، وإبطال الباطل، وأظهر المتوكل إكرام الإمام أحمد بن حنبل الذي قاوم البدع، وتمسك بالسنن، وضرب وأوذى وسجن.
استدعاه المتوكل إليه من “بغداد” إلى “سامراء” وأمر له بجائزة سَنية، لكنه اعتذر عن عدم قبولها، فخلع عليه خِلْعَةً عظيمة من ملابسه، فاستحيا منه الإمام أحمد كثيرًا فلبسها إرضاءً له، ثم نزعها بعد ذلك.
يذكر للمتوكل تعيينه ليحيى بن أكثم لمنصب قاضى القضاة، وكان يحيى بن أكثم من كبار العلماء، وأئمة السنة، ومن المعظمين للفقه والحديث، وحاول إصلاح ما فسد، فراح يعزل الكثير من عمال الولايات، ويصادر أملاكهم بعد أن عَمَّت الشكوى، وتفشى الفساد، مثلما عزل يحيى بن أكثم عن القضاء، وولى جعفر بن عبد الواحد مكانه، وكذلك عزل عامله على المعونة أبا المغيث الرافعي وعين مكانه محمد بن عبدويه.
في 3 شوال من عام 247 هجرية كان مقتل الخليفة المتوكل على الله على يدي ولده المنتصر، وكان سبب ذلك أنه أمر ابنه عبد الله المعتز الذي هو ولي العهد من بعده أن يخطب بالناس في يوم جمعة ، فأداها أداءً عظيمًا بليغًا، فبلغ ذلك من المنتصر كل مبلغ، وحنق على أبيه وأخيه، ثم اتفق أن أحضره أبوه بين يديه فأهانه وأمر بضربه في رأسه وصفعه وصرح بعزله
عن ولاية العهد من بعد أخيه، فاشتد أيضا حنقه أكثر مما كان.
لما كان يوم عيد الفطر خطب الخليفة المتوكل على الله بالناس وعنده بعض التشكي من علة به، ثم عدل إلى خيام قد ضربت له; أربعة أميال في مثلها، فنزل هناك ثم استدعى في يوم ثالث الشهر ندماءه، وكان على عادته في سمره وحضرته وشربه ثم تمالأ ولده المنتصر وجماعة من الأمراء على الفتك به ، فدخلوا عليه وقتلوه.
تعليقاتكم