هل عدم تذكر القيام بفعل خاطئ، يعفي الفاعل من العقاب؟ هذا ما تدور حوله أحداث فيلم The Judge، حيث يقع القاضي بالمر تحت المحاكمة، بسبب اتهامه بقتل شخص ما، لا يتذكر أنه قتله، وذلك بسبب مرضه، هذا بالنسبة للفيلم.
لكن بالنسبة للواقع، فهذا هو حال الأمريكي “فيرنون ماديسون”، ذو الـ 67 عاماً، الذي قام بقتل ظابط شرطة في 1985، وكان من المفترض أن ينفذ حكمه بالإعدام في 2016، لكن ما عطل تنفيذ الحكم، هو إصابة المتهم بأزمات صحية أثرت على ذاكرته، حتى أنه صار لا يتذكر قيامه بالجريمة.
قام فيرنون ماديسون، أسمر البشرة، في أبريل 1985، بإطلاق النار على ظابط شرطة، وقتله، بعدما طلب منه الحضور لمنزله لحل خلافات عائلية، ثم حاول بعدها قتل حبيبته، التي نجت من ذلك الهجوم، وكنتيجة لذلك، تم توجيه تهمة القتل عمد لأحد أفراد الشرطة، وبسبب مشاكل مرتبطة بقضايا الزنوج والأحكام عليهم، حيث تم منع مشاركة مواطنين من سود البشرة، في هيئة المحلفين، بالإضافة إلى شهادة منحازة من وكيل النيابة، حضر ماديسون ثلاثة جلسات في المحكمة، نتج عنها الحكم بالإعدام، وبالرغم من أن القاضي في آخر جلسة، كان رأيه أن يخفف الحكم للسجن مدى الحياة، إلا أنه غير رأيه، وعاد للحكم بالإعدام.
لكن في 2015، تعقدت الأمور بشكل أكبر، حيث أصيب المتهم بجلطة، أثرت على بصره، وعلى حركته، ثم طلب من العاملين بالسجن، أن يخبروا والدته بإصابته بجلطة، الغريب في الأمر، أن والدته توفت منذ سنوات، لتظهر أولى علامات الاضطراب العقلي والنسيان، وفي 2016، تعرض المتهم لجلطة أخرى، أثرت بشكل كبير على ذاكرته، حتى أنه أخبر المحامي، بأنه ينوي السفر بعد أن تنتهي فترة سجنه، لتصبح هذه ثاني علامة على عدم سلامة قواه العقلية، لأنه محكوم عليه بالإعدام، لذلك طلب المحامي عرض المتهم على أطباء مختصين، وكان رأي المحكمة، أن يتم عرضه على طبيبين مختلفين.
وجاء تقرير الطبيب الأول، بأن المتهم مصاب بفقدان في الذاكرة، حيث لا يتذكر أحداث كثيرة من حياته، وقعت قبل الجلطة الثانية، لذلك فهو لا يتذكر قيامه بالجريمة من الأساس، ولا يتذكر سبب وجوده في السجن، كل ما يعلمه أنه تعرض لثلاث محاكمات سابقة، نتج عنها دخوله السجن، دون أن يتذكر السبب، حتى أنه قال للطبيب المتابع لحالته أنه بالتأكيد لم يقم بقتل شخص ما، فالقتل أمر بشع.
في حين أن تقرير طبيب الثاني، طلبت منه المحكمة أن يتابع الحالة، نص على أن المتهم يتذكر بعض أحداث طفولته، وبعض أحداث المحاكمات السابقة، وبالرغم من حالته الصحية، إلا أنه مازال قادراً على التفكير بشكل منطقي، حتى أنه يفهم جريمته والحكم الناتج عنها.
بعد سماع تقرير الطبيبين، اقتنعت المحكمة بتقرير الطبيب الثاني، وتنفيذ حكم الإعدام في مايو 2016، باستخدام “حقنة قاتلة” (طريقة الإعدام الشهيرة في الولايات المتحدة) كما كان مقدر له، لكن محكمة الاستئناف تدخلت قبل تنفيذ الحكم بساعات، حيث قامت بإيقاف التنفيذ بعد جلستها الـ 11، وفي مارس 2017، قالت جاء قرار محكمة الاستئناف، بأن حكم الإعدام لا يتوافق مع حالة المتهم الصحية والعقلية، وهذا ما قالته للمحكمة العليا.
أما في نوفمبر 2017، حكمت المحكمة العليا بأن محكمة الاستئناف تخطت حدودها القانونية، في جلستها الـ 11 الخاصة بالقضية، لكن لم تذكر المحكمة العليا أي شيء متعلق بمدى قانونية إعدام شخص لا يتذكر جريمته، وذلك لأن المحكمة العليا تلغي أحكام الأعدام على المتهمين الذين يعانون من اضطرابات عقلية، أما من يدركون جريمتهم وعواقبها، فيظل الحكم قيد التنفيذ، أما بالنسبة لقضية “ماديسون” التي أثارت الجدل بين المحاكم، لأنه يدرك تبعيات الجريمة، دون أن يتذكر قيامه بها، فالمحكمة العليا لم تحدد مدى قانونية تنفيذ حكم الإعدام، على شخص لا يتذكر جريمته، لكنه يفهم تبعياتها.. لذلك استمرت المحكمة في قرار الإعدام.
لكن قبل تنفيذ الحكم، ظهر محامي المتهم مرة أخرى، طالباً الاستئناف، وهذه المرة تحت دعوى أن إعدام شخص في الحالة الصحية لموكله، هو خرق للقانون والدستور الأمريكي.
والآن، من المتوقع أن يصل القضاة لحكم نهائي في هذه القضية، أما بالنسبة للمحامي، فهو يتمنى أن تقوم المحكمة بفعل الأمر الصائب، أي عدم تنفيذ الإعدام في رأيه.
حتى أن تصدر المحكمة حكمها، تترك القضية مجالاً للجدل، فما هو مصير من لا يتذكر جريمته، الغفران، أم الاستمرار في العقاب؟
تعليقاتكم