ما انشغل أحد من المؤرخين بسيرة أحد مثل الانشغال بشخصية صلاح الدين، فجعلوا من إيجابياته أساطير وحولوا سلبياته إما لأكاذيب مبالغ فيها، أو تبرير لأخطاء، غير أن هناك مسألة مشهورة بالنسبة لتاريخ تحرير بيت المقدس وهو دور شقيقته التي قُتِلَت في قافلة الحجاج، حيث جرت عملية اختزال تحرير بيت المقدس في أن حملة المسلمين العسكرية كان سببها هو قتل شقيقته على يد جند رينو دي شاتيون أثناء هجومهم على قافلة الحج وقتل كل الحجاج المسلمين وهم في طريقهم للحجاز مما تسبب في معركة حطين.
بعد أن قهر صلاح الدين الأيوبي في معركة حطين رينو دي شاتيون، وجاءت الحملة الصليبية الثالثة بقيادة ريتشارد قلب الأسد عقد صلاح الدين صلحاً انهزامياً تسبب في التفريط ببيت المقدس، لكن هذه المسألة في مجملها ليست صحيحةً تاريخياً، فلم يكن هجوم صلاح الدين على الصليبيين بسبب قتل شقيقته ولا بسبب رينو دي شاتيون، لأنه أصلاً كان على حرب من قبل ذلك بكثير.
التأكيد على أن سبب تحرير بيت المقدس هو غضب صلاح الدين لقتل أخته مصدره فيلم Kingdom of Heaven وليس كتب التاريخ، فهجوم صلاح الدين على حصن الكرك لم يكن بعد مذبحة الحجيج فقط، فقد هاجمه قبل مذبحة الحجيج بعد أن خرق رينو دي شاتيون معاهدة صلاح الدين مع ملك مملكة بيت المقدس.
كذلك فإن أخت الأيوبي لم تقتل في قافلة الحجيج أصلاً ، فهجوم رينو على قافلة الحجيج كان في العام 578 هجرية، وأخت صلاح الدين الأيوبي كانت في القافلة وأسرت وأهينت ثم رجعت مع من رجع من الأسرى ، ثم ماتت سنة 616 هجرية ووصف بهاء بن شداد جنازتها في كتاب النوادر السلطانية والمحاسن اليوسفية.
أما بشأن معاهدة الرملة مع ريتشارد قلب الأسد فلم يكن بسبب ضعف الأيوبي لأنه انتصر عسكرياً في مواقع كثيرة، وإنما كان سبب الصلح هو حالة الضيق من كثرة الحروب بين جند صلاح الدين وجند الصليبيين، وهو ما عبر عنه القاضي بن شداد قائلاً “لم يرغب في الصلح ولكنه رأى المصلحة في الصلح لسآمة العسكر، وتظاهرهم بالمخالفة”.
تعليقاتكم