لم يكن غريبا أن يظهر أحمد عز بهذا المستوى التمثيلي من خلال شخصيته في مسلسل أبو عمر المصري، عز الذي يشهد تطورا ملحوظا في السنوات الأخيرة على صعيد اختيار الأدوار أو على صعيد الأداء يتجه بخطى ثابته لمنطقة أكثر قوة واستقرار ولكن هل يكفي عز وحده لجعل أبو عمر المصري مسلسلا جيدا بحق؟
البداية مع الشكل الذي اختارته الكاتبة مريم نعوم والمؤلف محمد المصري كتاب السيناريو والحوار لروايتي عز الدين شكري فشير مقتل فخر الدين وأبو عمر المصري، اختيار ذلك الشكل في سرد الأحداث حيث الفلاش باك أو طريقة حكاية الأحداث التي بالطبع يتخللها مشاهد في الحاضر.
تلك الطريقة التي كان يقول عليها العديد من السيناريستات وعلى رأسهم رأفت الميهي أنها طريقة ذات العديد من المخاطر وأنها ليست الطريقة الأفضل أو التكنيك الأفضل الغريب أن مريم نعوم نفسها ضمن ورشها الكثير كانت من المؤلفين غير المحبذين لطريقة السرد بالفلاش باك ولكنها لجأت لها، بالطبع ليس هناك مانع من استخدام تلك الطريقة، ولكن لماذا هي طريقة مقيده وغير مفضلة؟
في رأيي الشخصي أن طريقة الفلاش باك تضع العديد من القيود على المؤلف رغم انها تسمح له بالبداية من الذروة أو من نقطة في قمة الارتفاع، ولكن الأزمة هنا أنها تجعل البطل حاضرا في كل المشاهد فلا يعقل أن يحكي البطل مشاهد لم يعرفها أو يعيشها بنفسه، بل إنها تجعل المؤلف بشكل مباشر مقيد في بدأ المشهد وترحيل وتأجيل كل المعلومات التي يجب أن يعرفها المشاهد إلى لحظة دخول البطل في المشهد.
ليس الغريب أن مريم نعوم ومحمد المصري استخدما تلك الطريقة ولكن الغريب أنهما وقعا في أخطاء ساذجة في السيناريو على سبيل المثال وليس الحصر في الحلقة الرابعة من المسلسل هناك مشهدين لشخصية شيرين مشهد مع والدها تخبره فيها أن علاقتها بفخر انتهت ومشهد مع حبيبها الجديد وهو يقدم لها الورود، ليطل سؤال بسيط للغاية كيف عرف فخر بهذه الأحداث حتى يحكيها لأبنه؟
مشاهد أخرى بين عيسى ووالدته، وعلى الرغم من تلك الأخطاء الساذجة نجد حرص الكتاب في مشهد فصل فخر من المكتب عقب القضية أن يعرف فخر بما دار داخل المكتب من الصوت حيث يدخل المكتب ويسمع ما يحدث قبل أن يشارك فتصل المعلومة للمشاهد بوجوده في المشهد ولكن الغريب أن يقع الكتاب في هذا الخطاء الساذج للغاية.
الأمر الثاني في الحلقة الخامسة مشهد جمع أحمد عز ومحمود الليثي على المقهى وهما يتحدثان حول الماضي – تذكر نحن أصلا في الماضي-فهما داخل الماضي يتحدثان عن ماضي ابعد لنجد فجأة أن الماضي الأبعد تجسد لصورة أمامنا لنجدل في دوامة الفلاش باك داخل الفلاش باك.
ربما كان الحل هو تعدد أصوات السرد داخل العمل بمعني أن يكون اثنان أو اكثر يحكيان الحكاية كل من منطقة زمنية مختلفة أو من زاوية مختلف وبذلك يكون هناك متسع لتوصيل المعلومات والأحداث للمشاهد من أكثر من زاويه وبأكثر من طريقة، ولكن دعنا من المفترض لأنه لم يحدث.، ولكن ما حدث هو الكثير من الأخطاء الساذجة للغاية منها مثلا أن يقوم وكيل النيابة بعمل التحريات واستصدار أذن بالضبط والإحضار وغيرها من أمور منطقية كانت تحتاج للقليل من الدقة ولكن يبدو أن الوقت كان ضيق أو ان هناك حالة استسهال غير مرغوب فيها شملت ورشة الكتابة
أحمد خالد موسي المخرج بالتأكيد هو أخد مخرجي التكنيك الجيدين وربما هو في هذا العمل تحديدا يقدم شكل أفضل له كمخرج بالتأكيد في مشاهد الأكشن ولكن الأهم لموسى هو اختياره للمثلين الكاستينج أو اختيار الممثلين في المسلسل ناجح بنسبة 90% ربما بعد المشاكل التي تتعرض مع سن الممثل الحقيقي وسن الشخصية ولكن يمكن التغاضي عنها نوعا ما.
ولكن أسوأ ما عاب موسى هو عدم قدرته في السيطرة على ممثليه ولعل المثال الأبرز على ذلك تلك الطريقة التي يقدم بيها فتحي عبد الوهاب شخصية سمير العبد، طريقه أنا شرير هل تروني كم أنا شرير سخيف ذو سماجة وثقة مبالغ فيها؟ تلك الطريقة التي تتميز في الحركات المبالغ فيها والنظرات المبالغ فيها، أعتقد ان تلك الطريقة انتهت تماما من عالم التمثيل ولكن يبدو أن موسى حتى لم يوجه ممثله نحو طريقه أخرى، والافتراض الأسوأ ان موسى نفسه يريد تلك الطريقة.
أبو عمر المصري كان من المفترض أن يتحول لمسلسل هام بالفعل، هو يملك كل الخامات والمؤهلات لذلك ممثلين على أعلى مستوى ربما على رأسهم في رأيي محمد جمعة ومحمد سلام وبالطبع صبري فواز ومفاجأة الكبرى هو منذر رياحنة وفتحي عبدالوهاب وأحمد عز وغيرهم الكثير، وقصه تواكب ما نعيشه الأن وسيناريست من المفترض أنها مميزه ومعاها كاتب أخر وهو محمد المصري من المفترض أنه دم جديد وأفكار جديدة ومخرج يمتلك تكنيك جيد ولكن في النهاية يقع المسلسل بسبب أخطاء اقل ما يقال عنها أنها ساذجة وتافهة، ليبدأ صناع الدراما في مهاجمة النقاد واتهامهم أنهم يلقون بجهدهم في الأرض بسبب أنهم يهاجمون الأعمال، وفي رأيي أن من يهدر هذا الجهد هم صناع الأعمال أنفسهم بتلك الساذجة.
تعليقاتكم