عينان معلقتان بلافتات المحال الكبرى، تحاولان بجهد حفظ شكل الكلمات المكتوبة، تملكان بفضل حرفة النجارة القدرة على حفظ التفاصيل، يسأل صاحبها الناس لينطقوا له اسم المحل، ويقوم مخه بفصل الحروف ليعرف الفارق بين شكل حرف الراء والكاف، هكذا علم محمود شكوكو نفسه القراءة والكتابة بعدما تخطى المراهقة بقليل، أدرك بفطرته النقية أنه لا يجوز له إحتراف الفن وهو لا يحسن القراءة والكتابة.
وكان الطفل الذي اكتسب اسمه من اسم ديك رومي كان جده يربيه ويحبه لأنه ينتصر في مصارعات الديكة قد ولد في حي الجمالية عام ١٩١٢ لأب يعمل نجاراً فاحترف مهنة أبيه قبل أن تجذبه “النداهة” في مراهقته ليقضي نهاره في الورشة وليله في المقاهي والكباريهات مغنياً لأغاني عبد الوهاب وعبد المطلب.
البداية الحقيقية
أدرك شكوكو مبكراً أن الغناء ليس طريقه، فتحول لغناء المونولوج ليكتشفه على الكسار ويطلب منه الإلتحاق بفرقته المسرحية ليقوم بغناء المونولوجات في الفواصل بين الفصول المسرحية، ومع اعجاب الجمهور وزيادة التفاعل قرر الكسار رفع أجر محمود شكوكو الذي تعرف خلال تلك الفترة على مجموعة من المؤلفين والشعراء حتى أتته الفرصة في تقديم فقرة بحفل تقيمه الإذاعة في نادي المختلط “الزمالك”، وبمجرد انتهاء فقرته وعقب صعود أحد المطربين على المسرح هتف الجمهور طالباً شكوكو، ليقدم ٣ فقرات مذاعة على الهواء بناء على طلب الجمهور، كأول وأخر فنان فعل هذا في تاريخ الإذاعة.
بعدها عاد شكوكو لورشة والده التي لم يتخلف عن العمل بها يوماً سعيداً بالأضواء وبالنجاح اللذين أيضاً لم يسكرا رأسه، ليخبر والده صباح اليوم التالي أنه قرر افتتاح ورشته الخاصة لصناعة الموبيليا في منطقة الرويعي.
بدأ رحلته الفنية الحقيقة والمهنية المستقلة سوياً وجمع كل ما كسبه من الرحلتين وأعطاه لوالده لينفق على الأسرة، وكأنه يحيا بالشغف وحده لا الماء ولا الطعام.
حتى فاجأه والده يوماً ما بأنه لم يصرف قرشاً من مال ولده البار واشترى له عمارة كبيرة سميت فيما بعد بعمارة شكوكو.
الألم
عندما بدأ شكوكو في الغناء في المقاهي صغيراً كان والده يضربه كثيراً ليتوقف إلا أن هذا لم يؤلمه كما جرحته قصة حبه الأولى، عندما وقع في غرام عائشة هانم فهمي ابنة الطبقة الراقية وزوجة يوسف بك وهبي، والتي عشقته بدورها وانفصلت لتتزوجه رغم معارضة الجميع، وليشعل يوسف وهبي حرباً وصلت إلى القصر الملكي على جرأة ابن البلد للزواج من إحدى الهوانم.
وبعد حملة مسعورة وصلت إلى اجبار شكوكو على بيع سيارته “البنتلي” التي اشتراها خصيصاً لتليق بزوجته ومعشوقته والتي اعتبروا مجرد ركوبه لها إهانة للطبقة الإورستقراطية بأكملها، ليطلق زوجته بعد ذلك ويتوقف عن التعامل مع يوسف وهبي حتى وفاته.
أدرك حينها الفنان الذي صنع النحاتون تماثيل طينية له استخدموها في شراء الزجاجات الفارغة من الأطفال لاستخدامها في المقاومة الشعبية أن شهرته وفنه ليسا كافيين لتحقيق حلمه بالبقاء في أحضان من يحب، فقرر أن يواصل الانتماء والفخر بمن ينتمي لهم ويمجدونه فلم يخلع الجلباب البلدي بعدها أبداً.
الأراجوز
عندما كان الباعة ينادون “شكوكو بقزازة”، كان يعلم أن فن المونولوج في طريقه للزوال، وبذكائه الشديد قرر أن ينتقل لمجال فني أخر، وبمهارته التي اكتسبها من حرفة النجارة قام بتصنيع تماثيل خشبية للعرائس التي كان أبرزها الأراجوز، وقدم عددا من مسرحيات العرائس، منها “السندباد البلدي”، و”الكونت دي مونت شكوكو” ووضع ألحان المسرحية كلا من: محمود الشريف وسيد مكاوي، وأخرج العملين صلاح السقا، كان تمثاله الطيني القديم بالجلباب والطاقية والعصا قد تحول لتمثال خشبي هذه المرة بطرطور ليكون الأراجوز، كان المصري الأصيل وحده يدرك قيمة تلك العروسة الخشبية التي صنعها المصريون في العصر الفاطمي للسخرية من الحاكم بأمر الله، كان يدرك أن الأراجوز مصدر للفخر وليس سبة، لهذا عندما كان الفنان الأول الذي تصنع العرائس على هيئته كان مجداً شعبياً خالصاً واستفتاء بالمحبة.
النهاية
الرئيس الراحل أنور السادات يكرم محمود شكوكو بالجلباب والطاقية، كان التكريم على مشوار سينمائي طويل يبقى فيلم “عنتر ولبلب” علامته الأكثر سطوعاً، وأكثر من ٦٠٠ مونولوج هام الناس عشقاً مؤخراً بإحداها عندما غنته فنانة في مسلسل رمضاني، وفرقة استعراضية ضمت يوماً ما تحية كاريوكا وعبد العزيز محمود، ومسرح عرائس والمسرح القومي.
ما قدمه شكوكو للفن يفوق ما قدمه شارلي شابلن ذاته، إلا إنه التجاهل ذلك القدرالذي يصيب الموهوبين ذهب به لتلك الغرفة الضيقة في مستشفى المقاولون العرب في نهاية عام ٨٤ كان على موعد مع ألمه الأخير، وبعد ٣ أشهر من العلاج فقد فيه ماله لدرجة أن الأقارب أكملوا العلاج على نفقة الدولة دون إخباره حتى لا تأبى نفسه العزيزة، ليخرج مطالباً جمهوره على صفحات الجرائد بزيارته لتمتلأ المستشفى بالورود والزائرين حتى رحل عن عالمنا في ٢١ فبراير ٨٥ بعدما علم المجد أن المستحيل اسمه شكوكو.
الله ينور بجد
برافو
الله ينور يأ أسامة شغل فاخر والله
رائع
كتابة ملهره كالعادة لا تخلو من مناطق شائكة يتميز بالعبور فيها أسامه الشاذلي
الله ….. جميل جدا وبداية موفقة