يعتبر كعب الأحبار اليهودي ، من أحد أهم الشخصيات الفكرية المشهورة بالتاريخ الإسلامي كون أنه اقترن بعصر ما بعد وفاة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم .
جهود كثيرة وبارزة أداها كعب الأحبار في التراث الإسلامي العربي من حيث البنية والتكوين في تفسير القرآن ، وتفاصيل تاريخ الأنبياء ، فضلاً عن آراءه في الحديث والتشريع ؛ ليكون كعب الأحبار هو أحد أكبر من اعتمد عليه كبار الصحابة في العلم الديني .

أصل “كعب الأحبار” وسر الاختلاف على سبب إسلامه عند المؤرخين

تجيء السيرة الذاتية لكعب الأحبار لدى العرب كما أوردها بن عساكر في تاريخه أن أبو إسحاق كعب بن ماتع بن هيسوع .
ورأى المستشرق اليهودي المتعصب هرتفيك هرشفلد أن جده كان اسمه يشوع وغير المؤرخون العرب اسمه إلى هيسوع .

بينما يرى المؤرخ الذهبي في سير أعلام النبلاء أن اسمه عمرو بن قيس بن معن بن جشم بن عبد شمس بن وائل من بني حمير بن سبأ ، من آل ذي رعين من بني متيم اليمنيين .

ورغم ذلك التفصيل في نسبه ، يستبعد المؤرخ اليهودي إسرائيل ولفنسون هذا النسب لسببين أحدهما أن ذلك الاسم لم يجيء في الكتب التاريخية الإسلامية القديمة ، فضلاً عن أن هذه الأسماء لم مألوفة في اليمن قبل الإسلام بل هي من المشهورة عند بلاد العرب والمسلمين .

وكما تم الاختلاف حول اسم كعب الأحبار ، جرى أيضاً الاختلاف حول أسباب إسلامه وزمانه
فمنهم من يرى أنه أسلم قبل وفاة النبي ، ومنهم من يرى أنه أسلم في خلافة أبي بكر ، وآخرون يروا أنه أسلم في فترة عمر بن الخطاب ؛ وكثيرون رجحوا هذا لأن فترة نشاط كعب الأحبار كانت في عصر عمر بن الخطاب ، حيث تم الاعتماد عليه كثيراً في تفسيراتٍ متعلقة بالنص القرآني .

اختلافات كثيرة لدى المؤرخين حول ترك كعب الأحبار لليهودية واعتناق الإسلام ، غير أن السبب الذي عليه غالبية جمهور المؤرخين المسلمين هو العثور على ورق متعلق بنبؤة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، ولما رآه وتحقق منه آمن به .
فيما يختلف أبو نعيم في كتابه “الحلية” حيث قال أن كعب الأحبار أعلن إسلامه عندما مر برجل يقرأ الآية ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَـزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا ” .

كعب الأحبار وتشكيل نواة التراث الإسلامي

رغم الاختلاف حول مدى إيجابية بصمات كعب الأحبار في الاجتهادات لدى الصحابة ، لكن الأثر الخطير الذي تركه كعب الأحبار كان في قصص الأنبياء .
فبسبب آراءه التي أخذها المؤرخون ، تم تحييد العقل الإسلامي وجعله خائضاً في تفاصيل تضاد أمام النص القرآني الذي يتسم بالاختصار في سيرة الأنبياء .
فأحاديث آخر الزمان وما يتعلق بتفاصيل حياة الأنبياء ، تم الكلام عنها في معظم التفاسير القرآني لكن بشكل مستنسخ من روايات مشوهة قام كعب الأحبار بقصها على المسلمين .
فتجد أن كتاب عرائس المجالس للثعالبي يحمل 35 رواية عن كعب الاحبار حمل طابع الإثارة والدس التوراتي في تفسير النص القرآني .

موقف كعب الأحبار من أبي هريرة في الرواية 

يمكن إدراك موقف كعب من أبي هريرة ، في مقولته التي ذكرها بن حجر بكتابه الإصابة في تمييز الصحابة ، حيث مدح كعب الأحبار أبا هريرة قائلاً ” ما رأيت أحدا لم يقرأ التوراة أعلم بما فيها من أبي هريرة .
وقد انتشرت أحاديث كعب في كتب تاريخ وتفسير الطبري وتفسير الدر المنثور، وفي كتب كثيرة أخرى ، وقد ساء التدوين إلى درجة خطيرة تمثلت في أخذ الصحابة عن التابعين، مثل أخذ أبي هريرة عن كعب الأحبار.
ويمكن معرفة مقدار تأثر أبي هريرة بكل ما قاله كعب الأحبار ، من خلال سعي أب هريرة وغيره لإلصاق أحاديث كعب بالنبي صلى الله عليه وسلم .

فتجد بن كثير في تفسيره بعد أن أورد حديثا عن أبي هريرة: لعل أبا هريرة تلقاه عن كعب الأحبار، فإنه كان كثيرا ما يجالسه ويحدثه، فحدث أبو هريرة، فتوهم بعض الرواة أنه مرفوع فرفعه .
بينما ذكر الذهبي في تذكرة الحفاظ أن أبا هريرة كان كثير التدليس لعلاقته بكعب الأحبار .

ورغم إتساع آراء الرجل  في ظل الدولة الراشدة بالمدينة و بدايات الدولة الأموية في دمشق وكثرة تلامذته والمعتنقين لآراءه ، كان عمر بن عبدالعزيز من أشد المواجهين لطائفة سماها المؤرخين بـ “القصاصين” ، حيث كان هؤلاء يفسرون قصص الأنبياء بالنص القرآني وفق ما علمه إياهم كعب الأحبار .
لدرجة أن عمر بن عبدالعزيز أصدر أمراً بإخراج أي قصاص من المساجد ونفيه خارج الدولة.

ولم يتوقف الرجل عند القصة ، بل كان له حظه من تفسير النص النبوي
فمالك في موطئه حكى أن أبا هريرة أخبر كعب الأحبار بأن رسول الله قال عن يوم الجمعة: “وفيه ساعة، لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي يسأل الله شيئاً، إلا أعطاه إياه”.
فقال كعب: ذلك في كل سنة يوم ، فرد عليه أبو هريرة وقال: بل في كل جمعة كما أخبر رسول فقرأ كعب التوراة فقال: صدق رسول الله هي في كل جمعة .
فمن هنا يجيء التساؤل ، كيف يتم تشكيل تلك التوليفة من تاريخ ديني له جذور توراتي باعتراف كل المسلمين أنه مُحَرَّف ؟