كان «دحيح» بلغة الطلاب المتنافسين على التفوق، أو غير المهتمين بالدراسة أصلًا؛ فالكلمة التي تصف «اللى عنيه مققت من المذاكرة» يرددها هذان النوعان من الطلاب، مرة لزيادة التنافس الشريف، والأخرى الهدف منها «التحسر والحسد».
لكن بعيدًا عن المنضدة المزدحمة بالكتب الدراسية ونظيرتها الخارجية، كان «الدحيح» مهتمًا بمشاهدة المسلسلات الدرامية، يجد متعة وهو يتوقع جمل الحوار الذي يدور بين شخصيات المسلسل الذي يشاهده، هذه الجزئية جعلته يفكر أن يحترف كتابة هذه المسلسلات مستقبلًا، بالطبع هو كان لا يعرف أن هذه «المهنة» لها قواعد وأسس، ولا يعرف معنى «السيناريو»، لكن كان يدرك جيدًا تعريف «القصة» و«الحوار»؛ لأن «الدحيح» كان يهوى أيضًا قراءة القصص.
في المرحلة الإعدادية، زادت حدة الصراع على الحصول على المركز الأول؛ فقد أصبح «الدحيح» لا ينافس أبناء قريته الصغيرة فقط؛ بل انتقل للدراسة بالمدرسة الإعدادية الموجودة في قرية مجاورة، وبالطبع هذه القرية كان بها «دحيحة» أيضًا أصبحوا فيما بعد منافسين له.
هنا.. وجد «الدحيح» نفسه حائرًا بين التفرغ التام للدراسة، وبين مقاطعة «المسلسلات» التى يهوى مشاهدتها، لكنه ووسط حيرته استقر على حل يستطيع من خلاله مواصلة «أكل الكتب ليل نهار»، وفي نفس الوقت إرضاء «غواية» مشاهدة «المسلسلات». استقر «الدحيح» على مشاهدة مسلسل واحد يوميًا خاصة في رمضان الذي تزدحم فيه الأعمال الدرامية، كان يختار المسلسل من اسم الكاتب، ففي هذه الفترة الزمنية كان عدد كُتاب «السيناريو» قليلًا، ولا وجود لـ«ورش الكتابة» التي أصبحت حاليًا إما «مصانع للمواهب»، أو «سبوبة حلوة» للحيتان المسيطرين على الكتابة للسينما والتليفزيون.
يتذكر «الدحيح» جيدًا المسلسلات التي شاهدها في رمضان عندما كان الشهر الكريم يأتي وسط الدراسة بـ«المرحلة الإعدادية». فى الصف الأول شاهد «حديث الصباح والمساء» للكاتب نجيب محفوظ، وسيناريو وحوار مُحسن زايد، في الصف الثاني شاهد «قاسم أمين» للكاتب محمد السيد عيد، أما في الصف الثالث فتابع «مسألة مبدأ» للسيناريست محمد صفاء عامر.
فى المرحلة الثانوية لا يتذكر إلا مسلسل «أماكن في القلب»، ثم حدث تغيير كان سببًا في حرمانه من مشاهدة المسلسلات، توفيّ والده وكان من «قوانين العائلة» إغلاق التليفزيون لمدة سنة؛ حزنًا على الفقيد، كان يشعر بالحزن وهو يسمع الطلاب يتحدثون عن حلقات مسلسلات مهمة مثل «حضرة المتهم أبي» و«قضية رأي عام».
بعد مرور سنوات تغيّرت الأوضاع؛ ظهرت «السيبرات» في قرية مجاورة فكان يركب عجلته ويقصدها؛ لمشاهدة ما «فاته» من مسلسلات.
تعليقاتكم